الشاعر محمد مهدي الجواهري ينعي أخاة جعفر

أتَعْلَمُ أمْ أنتَ لا تَعْلَمُبأنَّ جِراحَ الضحايا فمُ
فَمٌّ ليس كالمَدعي قولةًوليس كآخَرَ يَسترحِم
يصيحُ على المُدْقِعينَ الجياعأريقوا دماءكُمُ تُطعَموا
ويهْتِفُ بالنَّفَر المُهطِعينأهينِوا لِئامكمُ تُكْرمَوا
أتعلَمُ أنَّ رِقابَ الطُغاةأثقَلَها الغُنْمُ والمأثَم
وأنّ بطونَ العُتاةِ التيمِن السُحتِ تَهضِمُ ما تهضم
وأنَ البغيَّ الذي يدعيمن المجد ما لم تَحُزْ " مريم "
ستَنْهَدُّ إن فارَ هذا الدمُوصوَّتَ هذا الفمُ الأعجم
فيا لكَ مِن مَرهمٍ ما اهتدَىإليه الأُساة وما رهَّموا
ويا لكَ من بَلسمٍ يُشتَفىبه حينَ لا يُرتجى بَلسم
ويا لكَ من مَبسِمٍ عابسٍثغور الأماني به تَبسِم
أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيدتظَلُّ عن الثأر تستفهِم
أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيدمِن الجُوعِ تَهضِمُ ما تَلهم
تَمُصُّ دماً ثُم تبغي دماًوتبقى تُلِحُ وتستطعِم
فقُلْ للمُقيمِ على ذُلّهِهجيناً يُسخَّرُ أو يُلجَم
تَقَحَّمْ ، لُعِنْتَ ، أزيزَ الرَّصاصوَجرِّبْ من الحظّ ما يُقسَم
وخُضْها كما خاضَها الأسبقونوَثنِّ بما افتتحَ الأقدم
فإِمَّا إلى حيثُ تبدو الحياةلِعينيْكَ مَكْرُمةً تُغْنَم
وإمَّا إلى جَدَثٍ لم يكُنليفضُلَه بيتُكَ المُظلِم
تَقَحَّمْ ، لُعِنْتَ ، فما تَرتجيمِن العيش عن وِرده تُحرَم
أأوجعُ مِن أنَّك المُزدرىوأقتلُ مِن أنَّك المُعدِم
تقحَّمْ فمَنْ ذا يَخوضُ المَنونإذا عافَها الأنكدُ الأشأم
تقحَّمْ فمَنْ ذا يلومُ البطينإذا كان مِثلُكَ لا يَقْحَم
يقولون مَن هم أولاءِ الرَّعاعُفأفهِمْهُمُ بدَمٍ مَنْ هُم
وأفهِمْهُمُ بدمٍ أنَّهمْعَبيدُكَ إنْ تَدْعُهمْ يَخدُموا
وأنَّك أشرفُ من خيرِهمْوكعبُك مِن خدهِ أكرم
أخي " جعفراً " يا رُواء الربيعإلى عَفِنٍ باردٍ يُسلَم
ويا زَهرةً من رياض الخُلودتَغوَّلها عاصفٌ مُرزِم
ويا قبَساً من لهيب الحياةخَبا حين شبَّ له مَضْرَم
ويا طلعةَ البِشر اذ ينجليويا ضِحكةَ الفجر إذ يَبسِم
لَثَمْتُ جراحكَ في " فتحةٍ "هي المُصحَف الطُهرُ إذ يُلثَم
وقبَّلتُ صدرَك حيثُ الصَّميممِن القلب ، مُنْخَرقاً ، يُخرَم
وحيثُ تَلوذُ طيورُ المُنىبه فهىَ ، مُفزعَةً ، حُوَّم
وحيثُ استقرَّت صِفاتُ الرجالوضَمَّ معادِنَها مَنجَم
وَرَّبتُّ خدّاً بماءِ الشبابيرفُّ كما نوّر البُرعُم
ومَّسحتُ مِن خُصَلٍ تَدَّليعليه كما يَفعلُ المُغرم
وعلَّلتُ نفسي بذوب الصديدكما علَّلتْ وارداً " زمزم "
ولقَّطتُ مِن زَبدٍ طافحٍبثَغرك شهداً هو العَلْقَم
وعوَّضتَ عن قُبلتي قُبلةًعَصَرْتَ بها كلَّ ما يؤلِم
عَصَرْتَ بها الذكرياتِ التيتقَضَّتْ كما يَحْلُمُ النُوَّم
أخي " جعفراً " إنّ رجعَ السنينبَعْدَك عندي صَدىً مُبْهم
ثلاثونَ رُحْنا عليها معاًنعذَّبُ حِيناً ونستنعِم
نُكافحُ دهراً ويستَسْلِمُونُغلبُ طَوراً ونَسْتَسلِم
أخي " جعفراً " لا أقولُ الخَيالوذو الثأرِ يَقْظانُ لا يَحلُم
ولكنْ بما أُلهِمَ الصابرونوقد يقرأُ الغيبَ مُستَلهِم
أرى أُفُقاً بنجيع الدماءِتَنوّرَ واختفتِ الأنجُم
وحبلاً من الأرض يُرقى بهكما قذفَ الصاعدَ السُلَّم
إذا مدَّ كفّاً له ناكثتصدَّى ليقطَعها مُبْرِم
تكوَّر من جُثَثٍ حولهضِخامٍ وأمجادُها أضخم
وكفّاً تُمدُّ وراء الحجابفترسُمُ في الأفْقِ ما ترسُم
وجيلاً يَروحُ وجيلاً يجيءوناراً إزاءَهما تُضرَم
أُنبِّيكَ أنّ الحِمى مُلْهَبٌوواديه من ألمٍ مُفعَم
ويا وَيْحَ خانقةٍ مِن غدٍإذا نَفَّسَ الغدُ ما يَكظم
وأنّ الدماءَ التي طلَّهامُدِّلٌّ بشُرطتهُ مُعرم
تَنَضَّحُ من صدرِك المُستطابنزيفاً إلى الله يَستظلِم
ستبقى طويلاً تَجُرُّ الدماءولَنْ يُبرِدَ الدمَ إلاّ الدم
وأنَّ الصدورَ التي فلَّهاوأبدعَ ! في فلِّها مُجْرم
ونَثَّرَ أضلاعها نَثْرةَشَتاتاً كما صُرّفَ الدرهم
ستَحْضُنُها من صُدور الشبابقُساةٌ على الحقِ لا ترحم
أخي " جعفراً " إنّ عِلَم اليقينأُنبِّيكَ إنْ كنتَ تستعلِم
صُرِعْتَ فحامتْ عليك القلوبوخفَّ لك الملأُ الأعظَم
وسُدَّ الروُُاقُ ، فلا مَخرجٌوضاقَ الطريقُ ، فلا مَخرم
وأبلغَ عنك الجَنوبُ الشَّمالوعزَّى بك المُعرِقَ المُشئِم
وشَقَّ على " الهاتفِ" الهاتفونوضجَّ من الأسطُرِ المرِقَم
تعلَّمتَ كيف تَموتُ الرجالوكيف يُقامُ لهمْ مأتَم
وكيف تُجرُّ إليك الجموعُكما انجرَّ للحَرمِ المُحرِم
ضحِكتُ وقد هَمْهَمَ السائلونوشقَّ على السمعِ ما همهموا
يقولون مِتَّ وعند الأساةِغيرَ الذي زَعَموا مَزعَم
وأنتَ مُعافى كما نرتجيوأنت عزيزٌ كما تعلَم
ضحِكتُ وقلتُ هنيئاً لهموما لفَّقوا عنك أو رجَّموا
فهم يبتغون دماً يشتفيبه الأرمدُ العينِ والأجذم
دماً يُكذِبُ المخلصونَ الأباةبه المارقينَ وما قسَّموا
وهم يبتغونَ دماً تلتقيعلية القُلوب وتستَلئم
إلى أنْ صَدَقْتَ لهمْ ظَنَّهمفيا لكَ من غارِمٍ يَغنَم
فهمْ بك أولى فلَّما نَزَلكَجِذْرٍ على عَددٍ يُقسم
وهم بك أولى ، وإن رُوِّعت" عجوزٌ " على فِلذةٍ تلطِم
وتكفُرُ أنَ السما لم تعدتُغيثُ حَريباً ، ولا تَرْحَم
وأُختٌ تشقُّ عليك الجيوبفيغرَزُ في صدرها مِعصَم
تناشِدُ عنك بريقَ النُّجوملعلَّك مِن بينها تنجُم
وتَزْعُمُ أنَّك تأتي الصَّباحَوقد كذَّبَ القبرُ ما تَزْعُم
لِيَشْمَخْ بفقدِكَ أنفُ البلادوأنفي وأنفُهم مُرغم
أخي " جعفراً " بعُهود الاخاءِخالصةً بيننا أُقسِم
وبالدمع بَعدَكَ لا يَنثنيوبالحُزنِ بَعدَكَ لا يُهزم
وبالبيتِِ تَغمرُهُ وحشةٌكقبركَ يَسأل هل تقدَم
وبالصحب والأهلِ " يستغربون "لأنَّك منحرفٌ عنهم
يميناً لتَنهَشُني الذكرياتعليك كما يَنهش الأرقم
إذا عادني شبحٌ مفرحٌتصدَّى له شبحٌ مؤلِم
وأنّي عُودٌ بكفِّ الرياحِيسأل منها متى يُقصَم
أخي " جعفراً " وشجونُ الأسيستَصرِم حبلي ولا تُصرَم
أزحْ عن حَشاك غُثاء الضميرولا تكتُمَنّي ، فلا أكتُم
فانْ كانَ عندكَ مِن مَعتَبٍفعندي أضعافُه مَنْدَم
وإن كنتَ فيما امتُحِنَّا بهوما مسَّّّنا قَدَرٌ محْكَم
تُخَرِّجُ عُذراً يُسلّي أخاًفأنت المدِلُّ به المُنعِم
عصارةُ عُمرٍ بشتّى الصنُوفمليءٍ كما شُحِنَ المُعْجم
به ما أُطيقُ دفاعاً بهوما هو لي مُخْرِسٌ مُلجِم
أسالتْ ثراك دموعُ الشبابونوَّر منك الضريحَ الدم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قيل عن بــرقة "سُمع عمرو بن العاص يقول على المنبر في أهل برقة: هم أصحاب عهد إن عاهدوا".

صب المر كان المر طاب .. مفيش امر من فرق الأحباب

هذا زجاج من صحراء ليبيا غالي الثمن ومستكشف حديثا وله سمعة في سوق المعادن الثمينة