حكايات دنماركي في قبضة رجال عمر المختار سنة 1930 History of Libya
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
حكايات دنماركي في قبضة رجال عمر المختار سنة 1930 #طبرق
- بدأت فكرة الرحالة الدنماركي كنود هولمبو لخوض تجربة الرحلة عبر ليبيا حين كان في فندق بمدينة سبتة المغربية , هناك كان قد مكث مدة من الزمن تعلم فيها اللغة العربية , واعتنق الإسلام قائلا ” أعتقد ان الاسلام هو المسيحية الحقيقية ” وهناك في الفندق كان يتحدث إلى أحد النزلاء الانجليز حول رغبته في الحج والتعرف على الشرق والذهاب إلى مكة , وكان يفكر في السفر بحرا , لكن ضيفه اقترح عليه السفر برا عبر ليبيا ورد عليه كنود :- ” سيكون هذا مستحيلا .. إن الحرب لا تزال دائرة هناك “.
لكن نزيل الفندق أقنعه بأنه سوف يرى الصحراء وما يحدث على حقيقته , ويتعرف على حياة الناس هناك ومعاناتهم في ظل الاحتلال الإيطالي وعاداتهم الشرقية , ولم يلبث كنود أن اقتنع بالفكرة , وحزم أمتعته وبدأ رحلته في شمال افريقيا سنة 1930 على متن سيارته الشيفروليه , رحلة طويلة جدا عبر المغرب والجزائر وتونس وصولا إلى ليبيا حيث حازت الجزء الأكبر والأهم من مذكراته التي سجل فيها قصصا كثيرا عن الحياة في ظل الاستعمار والقمع والمقاومة . - هولمبو أسيرا في قبضة رجال عمر المختار
بينما كان هولمبو في طريقه من بنغازي إلى درنة وسط الجبال , وقع في يد المجاهدين الذين يقودهم عمر المختار , في البداية أطلقوا عليه رصاصة ليوقف سيارته وكانوا يريدون قتله لاعتقادهم أنه إيطالي أو عميل لهم , لكنه أقنعهم بأنه ليس ايطاليا ولا عميلا وانه مسلم وقرأ لهم بعض القرآن ليتأكدوا , ثم اعتقلوه ودار بينهم حديث طويل قبل أن يطلقوا سراحه , ويعرفوا أنه صحفي اوربي مسلم جاء لينقل الحقيقة , ربما يكون لقاءه هذا من المقابلات الصحفية النادرة التي سجلت مع المجاهدين الليبيين آن ذاك .. يقول هولمبو :
( قلت له : ” لقد حضرت إلى هنا لأتعرف على طرق معيشتكم وحياتكم هنا .. إنهم لا يعرفون عنكم شيئا في أوربا “
سألني : وما هي أوربا ؟ قلت له : “إنها قارة يعيش فيها الانجليز والفرنسيون وأمم أخرى “
رد سائلا : “وهل يعيش الإيطاليون هناك أيضا ؟ ” كان يسميهم الروميون , قلت : “نعم .. اإيطاليون يعيشون هناك أيضا لكنني أنتمي إلى قبيلة تختلف عن الإيطاليين تماما “
ثم بدأنا سيرنا نعو معسكرهم , واصلنا السير حتى حلول الظلام , ثم قمنا بإشعال نار في مكان مفتوح يصلح لإقامة معسكر لليلة واحدة .
جلسنا نحن السبعة حول النار وسألت القائد ” ألا تخشى أن يراك الإيطاليون ؟”
رد بسرعة : ” أنا لا أخشى أحدا .. إن الإيطاليين لا يجرؤون على الخروج من مدنهم التي يتحصنون بها إلا إذا كان لديهم أعدادا كبيرة من الجنود وبنادق سريعة الطلقات , أما في الظلام فهم لا يجرؤون على مهاجمتنا على الإطلاق ”
سألني أحدهم : ” لا بد أنك تحدثت مع بعض الإيطاليين .. ماذا يقولون عنا ؟”
قلت لهم : ” إن الإيطاليين يتهمون سكان الجبال بارتكاب فظائع في حربهم معهم ويتهمونهم أيضا بتعذيب سجنائهم ”
نظر إلي القائد ثم ألقى بفرع شجرة كبير جاف في النار فارتفعت ألسنة اللهب ثم قال : ” نحن نعرف أنك مسلم صالح ولن تخدعنا , سوف أحكي لك شيئا وأقسم بالله أن ما سأقوله لك هو الحق .. إنني لم أعش في الجبال هنا كثيرا ولكنني مجبر على العيش فيها الآن فليس أمامي بديل آخر , فقد حلت بنا مصيبة في الواحة التي كنت أعيش فيها حيث عاش والدي وأجدادي وجميع أفراد عائلتي منذ سنوات عديدة , لقد شعرت بالفرح عندما رزقني الله بولد .. لكن الآن .. الله وحده يعلم أين مكان ولدي , لقد رزقني الله بابنة كانت نور عيني , كانت تملؤ الدنيا بهجة وسرورا , كنت أحبها كحبي لابني ولكن حبي لله أعظم وأكبر من أي حب آخر “
جلسنا نحن السبعة حول النار وسألت القائد ” ألا تخشى أن يراك الإيطاليون ؟”
رد بسرعة : ” أنا لا أخشى أحدا .. إن الإيطاليين لا يجرؤون على الخروج من مدنهم التي يتحصنون بها إلا إذا كان لديهم أعدادا كبيرة من الجنود وبنادق سريعة الطلقات , أما في الظلام فهم لا يجرؤون على مهاجمتنا على الإطلاق ”
سألني أحدهم : ” لا بد أنك تحدثت مع بعض الإيطاليين .. ماذا يقولون عنا ؟”
قلت لهم : ” إن الإيطاليين يتهمون سكان الجبال بارتكاب فظائع في حربهم معهم ويتهمونهم أيضا بتعذيب سجنائهم ”
نظر إلي القائد ثم ألقى بفرع شجرة كبير جاف في النار فارتفعت ألسنة اللهب ثم قال : ” نحن نعرف أنك مسلم صالح ولن تخدعنا , سوف أحكي لك شيئا وأقسم بالله أن ما سأقوله لك هو الحق .. إنني لم أعش في الجبال هنا كثيرا ولكنني مجبر على العيش فيها الآن فليس أمامي بديل آخر , فقد حلت بنا مصيبة في الواحة التي كنت أعيش فيها حيث عاش والدي وأجدادي وجميع أفراد عائلتي منذ سنوات عديدة , لقد شعرت بالفرح عندما رزقني الله بولد .. لكن الآن .. الله وحده يعلم أين مكان ولدي , لقد رزقني الله بابنة كانت نور عيني , كانت تملؤ الدنيا بهجة وسرورا , كنت أحبها كحبي لابني ولكن حبي لله أعظم وأكبر من أي حب آخر “
لم أرد عليه بكلمات ولكنني اكتفيت بإيماء رأسي , كانت الدموع تملأ عيون القائد , كانت دموعه تلمع في ضوء النار , وأكمل قائلا : ” كنا نعيش في سعادة في واحتنا , لقد كنت غنيا , كان لدي أكثر من مائة من الإبل , كانت كلمتي مسموعة لدى الجميع , وذات يوم كنت في واحة مجاورة مع بعض الرجال لمدة ثلاثة أيام , وعندما عدنا إلى واحتنا كان أول ما شاهدته زوجتي , جاءت إلي عدوا والرعب يملأ عينيها وشعرها وراء ظهرها وملابسها ممزقة .
كانت تنتحب وتقول ” لا تعد إلى البيت .. لا تعد إلى البيت .. فليغفر الل لي وليسامحني على ما سأقوله لك ” وكانت تبكي بكاء شديدا ولم أسع منها أي كلمة أخرى , ترجلت من على جملي لأجد أخي قد أتى , قابلني قائلا : “أخي .. أنت تعلم أن الله يعطي كل إنسان ما قسمه له .. لقد مات محمد , لقد كان الإيطاليون هنا , لقد أطلقوا الرصاص على الرجال وقتلوا واحدا من كل خمسة رجال لأننا حاولنا الدفاع عن أنفسنا “.
لقد اهتز كياني لما سمعت .. لم أستطع الكلام , واستمر أخي في روايته : ” عليك أن تثق بالله مهما حدث , لقد اختفت عائشة – عائشة هي ابنتي – لقد أخذها ضابط إيطالي مع بعض الجنود الإريتريين وأخذو كل الجمال معهم ” قلت لأخي كان يجب أن تجنبني وبيتي هذا العار , كان يجب عليك أن تفتلها قبل أن يأخذوها .. هذا أشرف لنا ”
رحلت عن الواحة على الجمل الوحيد الباقي , ولم أكن أدري أن ذلك سيكون آخر عهد لي بالواحة , بحثت عن عائشة لشهور طويلة في مدن كثيرة وأخيرا عثرت عليها في إحدى بيوت الفسق في درنة , لقد اجبرها الإيطاليون على ممارسة الفسق نظير المال , عرفتني عائشة وعندما طلبت منها العودة هزت رأسها وبكت , قلت لها سيسامحنا الله جميعا , لقد صفحت عنك , ولكن أخبريني كيف وصلت إلى هنا ؟
ردت باكية : ” بعد أن أخذ الإيطاليون الجمال , أخذوني معهم وأحضروني إلى هنا ” انتحبت عائشة وازداد بكاؤها وقالت لي : ” اقتلني يا أبي , لن أستطيع الهرب من هذا المكان , إن موتي على يدك أهون من تركي هنا ” فقتلتها وقبلت جبينها وهربت إلى الجبال ,
كانت تنتحب وتقول ” لا تعد إلى البيت .. لا تعد إلى البيت .. فليغفر الل لي وليسامحني على ما سأقوله لك ” وكانت تبكي بكاء شديدا ولم أسع منها أي كلمة أخرى , ترجلت من على جملي لأجد أخي قد أتى , قابلني قائلا : “أخي .. أنت تعلم أن الله يعطي كل إنسان ما قسمه له .. لقد مات محمد , لقد كان الإيطاليون هنا , لقد أطلقوا الرصاص على الرجال وقتلوا واحدا من كل خمسة رجال لأننا حاولنا الدفاع عن أنفسنا “.
لقد اهتز كياني لما سمعت .. لم أستطع الكلام , واستمر أخي في روايته : ” عليك أن تثق بالله مهما حدث , لقد اختفت عائشة – عائشة هي ابنتي – لقد أخذها ضابط إيطالي مع بعض الجنود الإريتريين وأخذو كل الجمال معهم ” قلت لأخي كان يجب أن تجنبني وبيتي هذا العار , كان يجب عليك أن تفتلها قبل أن يأخذوها .. هذا أشرف لنا ”
رحلت عن الواحة على الجمل الوحيد الباقي , ولم أكن أدري أن ذلك سيكون آخر عهد لي بالواحة , بحثت عن عائشة لشهور طويلة في مدن كثيرة وأخيرا عثرت عليها في إحدى بيوت الفسق في درنة , لقد اجبرها الإيطاليون على ممارسة الفسق نظير المال , عرفتني عائشة وعندما طلبت منها العودة هزت رأسها وبكت , قلت لها سيسامحنا الله جميعا , لقد صفحت عنك , ولكن أخبريني كيف وصلت إلى هنا ؟
ردت باكية : ” بعد أن أخذ الإيطاليون الجمال , أخذوني معهم وأحضروني إلى هنا ” انتحبت عائشة وازداد بكاؤها وقالت لي : ” اقتلني يا أبي , لن أستطيع الهرب من هذا المكان , إن موتي على يدك أهون من تركي هنا ” فقتلتها وقبلت جبينها وهربت إلى الجبال ,
وأنا أقول لك الآن .. سوف أقتل كل إيطالي يقابلني , هذا هو القصاص والعدل , أقسم بالله العظيم أن كل واحد ممن حولك لديه قصة مماثلة , لذا فإننا لن نستسلم , إننا نحارب إلى آخر طلقة في بنادقنا إننا لا نخشى مدافعهم الرشاشة , لا نخشى الجوع , لا نخشى أن تكون ملابسنا رثة , سوف نحارب إلى آخر قطرة دم , هؤلاء الشياطين هم سبب معاناتنا .. حامد ما سبب وجودك هنا ؟ ”
رد حامد : ” لقد قاموا بشنق أخي ”
وأنت يا عبد الله ؟
رد عبد الله ” لقد استولوا على كل ممتلكاتي .. قالوا أنني ليس لدي ما يثبت أنها ملكي مع أنني ورثتها من أبي ”
وأنت يا محمد ؟
رد محمد قائلا : “لقد أطلقوا الرصاص على أبي وأخي ”
وماذا عنك يا عبد السلام ؟
رد عبد السلام : ” لقد حكموا علي بخمس وعشرين سنة أشغال شاقة فهربت “)
رد حامد : ” لقد قاموا بشنق أخي ”
وأنت يا عبد الله ؟
رد عبد الله ” لقد استولوا على كل ممتلكاتي .. قالوا أنني ليس لدي ما يثبت أنها ملكي مع أنني ورثتها من أبي ”
وأنت يا محمد ؟
رد محمد قائلا : “لقد أطلقوا الرصاص على أبي وأخي ”
وماذا عنك يا عبد السلام ؟
رد عبد السلام : ” لقد حكموا علي بخمس وعشرين سنة أشغال شاقة فهربت “)
وبعد أدائهم للصلاة واستمرارهم في حديث آخر يكتب هولمبو انطباعه عن ما دار في هذه الليلة : ( كانت الليلة شبه مظلمة , وأخذت النار تخفت , عرضت على القائد إحدى البطانيتين حتى يلتحف بها فاعتذر عن قبولها , أما البقية فقد افترشوا الأرض وراحوا في سبات عميق , تدثرت بالبطانيتين ونمت نوما عميقا .
استيقظت في الصباح قبل الآخرين , نظرت إليهم وهم في نومهم .. كانت ملابسهم رثة , ولكن علت وجوههم وهم نائمون نظرات السلام والتصميم على النصر , لقد أدركت الآن لماذا كان هؤلاء الرجال على استعداد للموت دون أن يهتز لهم جفن , ففي اليوم الذي قضيته معهم لاحظت مدى تمسكهم بدينهم واعتصامهم بحبل الله , ولم يخطر ببال أحدهم أن يضيق بما قسمه الله له مهما كان مصيرهم , فقد كانوا يحمدون الله وهم تحت المشانق على نعمة الحياة التي وهبها إياهم ويتحملون أي معاناة , كان هؤلاء الرجال النائمون فقراء وأميون فلم يعرفوا القراءة , بل كانوا يكتبون أسماءهم بصعوبة .. ولكنهم كانوا بالنسبة لي أنبل من رأيت من البشر) .
استيقظت في الصباح قبل الآخرين , نظرت إليهم وهم في نومهم .. كانت ملابسهم رثة , ولكن علت وجوههم وهم نائمون نظرات السلام والتصميم على النصر , لقد أدركت الآن لماذا كان هؤلاء الرجال على استعداد للموت دون أن يهتز لهم جفن , ففي اليوم الذي قضيته معهم لاحظت مدى تمسكهم بدينهم واعتصامهم بحبل الله , ولم يخطر ببال أحدهم أن يضيق بما قسمه الله له مهما كان مصيرهم , فقد كانوا يحمدون الله وهم تحت المشانق على نعمة الحياة التي وهبها إياهم ويتحملون أي معاناة , كان هؤلاء الرجال النائمون فقراء وأميون فلم يعرفوا القراءة , بل كانوا يكتبون أسماءهم بصعوبة .. ولكنهم كانوا بالنسبة لي أنبل من رأيت من البشر) .
من كتابه “مواجهة الصحراء”
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
تعليقات
إرسال تعليق