طبرق حضارة وتاريخ وريادة .......كتب : عبدالرحمن سلامة
مدينة طبرق
|
سور جوستناياني |
علي عطية المنصوري - مراسل طبرق امام سور جوستنياني في مدينة طبرق |
سور جوستنياني - مدينة طبرق |
طبرق عروس تستحم في بحر لجي وتنعم بدفء صحراء تخضبت رمالها بدماء رجالها
الذين ذادوا عنها وعن الوطن ، كما أنها
كانت مسرحاً عالمياً ومحط أنظار الدنيا عندما تحدى العالم بعضه بعضا فأصبح اليوم
تحديهم أطلالاً وبقيت طبرق كما هي ، شامخة تطال عنان السماء ، وعصية على من يحاول
لي عنقها ، وهى بوابة ليبيا الشرقية وأصل تسميتها لأنها جغرافياً تقابل مدينة قديمة في جزيرة كريت
، طبرق موغلة في التاريخ فهي شيدت قبل مجئ الإغريق إليها في سنة 6300 قبل الميلاد وإلى جانب الإغريق استهوت كذلك
الرومان فاستوطنوها وحضارتهم لازالت شاهدة عليهم كأرضية الفسيفساء والتي تمثل
" أورنوس " وهو يعزف على قيثارته والطيور تصغي إليه ناهيك عن آثار
لمدينة تحت مياه بحر عين الغزالة والتي كانت تسمى " باتراخوس " وكذلك
سور " جوستنيان " والمطل على ميناء طبرق البحري من ناحية الشمال ، وطبرق
بما حباها الله من إمكانيات فرضت نفسها عاصمة لإقليم مارماريكا الممتد حتى الإسكندرية
، كما أن المسلمين جعلوا مينائها مركزاً لنشر الإسلام ، مدينة استراتيجية استهوت
كثيراً من الذين عرفوا أهميتها وقيمتها من الناحية الجغرافية خصوصاً الذين يتطلعون
للسيطرة على شمال أفريقيا فقد سارع إليها الأتراك العثمانيون قبل أن يتنازلوا عنها
عنوة لإيطاليا بموجب اتفاقية بيع في سوق نخاسة رخيص في لوزان عام 1912 لكنها برغم
وضاعة هذه الصفقة بقيت طبرق حرة عصية على كل المستعمرين الذين تعاقبوا عليها وكسرت
أنوفهم ومرغتها في التراب بداية من أولى معارك الجهاد ضد المستعمر الإيطالي الذي أرادت
إحدى كتائبه احتلال قصر الناظورة المشرف على ميناء طبرق وسميت هذه المعركة
الناظورة تحت قيادة الشيخ المبري ياسين سنة 1911 بنواحيها وسطرت أيضاً على أرضها
معارك كبيرة يفتخر بها الليبيون منها : معركة سقيفة طبرق ، معركة وادي بوذوه ،
معركة المفصل ، معركة الحصون الجديدة ، معركة وادي العودة ، معركة رأس المدور ،
معركة وادي السهل معركة سيدي داوود ، وغيرها من المعارك ، ولعل الذين حاولوا
دخولها وفقدوا رجالهم هنا على أرضها يعلمون علم اليقين أنها مدينة استثنائية في كل
شئ .
طبرق كانت غرفة عمليات أثناء الحرب
العالمية الثانية ودهاليز هذه الغرفة لازالت باقية إلى الآن من خلال أنفاق متعرجة
في قلبها وتنساب في أطرافها لتؤكد أهميتها ، كما استغلت في الحرب من قبل
المتحاربين ، كذلك كانت تحوي مقر إقامة القائد رومل الرئيسي ومخبئه الذي كان يدير
منه المعارك العالمية الثانية في شمال أفريقيا ، وعلى أرضها دارت معارك عالمية
طاحنة ، فمعارك طبرق مهمة خلال الحرب العالمية الثانية، ومن شواهدها:
المقبرة الألمانية والتي تعرف بالقلعة
ويقال أن سكون العالم كله داخل هذه القلعة الحصينة وتضم هذه المقبرة رفات حوالي
7000 جندي ألماني ، أيضاً المقبرة الفرنسية والتي تضم رفات حوالي 200 جندي من
الفرنسيين ، كذلك مقبرة طبرق الحربية والتي تعرف بمقبرة (كومنولث) وتضم رفات حوالي
2479 جندي من الحلفاء وأغلبهم من الاستراليين ، أيضاً مقبرة عكرمة الحربية(ايت
بريد) جسرالفرسان وتضم رفات 3649 جندي من الحلفاء معظمهم من الإنجليز وجنوب
أفريقيا ونيوزيلندا ، وهذه المقابر يقصدها كثير من السواح الأجانب وخصوصاً من
الدول التي كانت طرفاً في هذه المعارك .
ومن القرى المجاورة لطبرق جنزور مسقط رأس شيخ
الشهداء عمر المختار الذي ضرب أروع الأمثلة في البطولة ورفاقه الأشاوس ، ومنها
أيضاً دارت أولى معارك الجهاد ضد الغزو الإيطالي في سنة 1911 عندما دافع رجالها
عنها ليسطروا أروع الأمثلة ويكبدوا العدو خسائر فادحة في معركة الناظورة وعندها
أيقنت إيطاليا أن هذا البلد أقوى منها وعليها أن تفكر في صنع قوة خرافية لأنها
تحارب من يحرصون على الموت كحرصهم على الحياة ،
طبرق حية وتجري في عروقها أودية تنبض
بالحياة مثل وديان : العودة ، طبيرق ، بوكريميسة ، الثماد ، الوعير ، أمريرة ،
بالقمل ، السهل ، بوقشاطة ، المقارين ، أم اقحيقيح ، بوالشوماني ، وغيرها من
الوديان العامرة والتي تشتم فيها رائحة طبرق الزكية ، طبرق المدينة يحتضنها البحر
ويضمها من ثلاث جهات ، كما يوجد بها عدة مصائف منها مصيف السلام أو ما كان يعرف
بمصيف (سان جورج) ، ومصيف الليدو ، ومصيف
الغوص ، ومصيف العودة ، ومصيف اطبيرق ، ومصيف
راس بياض ، ومصيف الكورنيش ، ومصيف
السهل ، وغيرها من المصائف داخل وفي محيط المدينة وهى من
أجمل الشواطئ في العالم ، والرائي لها من عل يراها كسفينة عملاقة تقف على أعتاب
التاريخ .
طبرق مدينة يعرف أهميتها القاصي والداني
فمينائها البحري الطبيعي هو من أهم
الموانئ في العالم ، كما تحتضن ميناء مرسى الحريقة النفطي وميناء رصيف شركة
البريقة وميناء الأتراك للصيد السمك يوجد بهذه المدينة ميناء تجاري كبير المساحة
وجميع هذه الموانئ تقع داخل أو وسط المدينة.
طبرق احتضنها البحر وعانقتها الصحراء ،
فالصحراء قلما تلتقي البحر لكنها طبرق جامعة الأصالة وبوابة الخير فهي تشتهر بزراعة.
التين. وأيضاً زراعة البطيخ الأخضر أو ما يعرف " بالدلاع الطبرقي "
وتشتهر أيضاً بزراعة الشمام وكذلك زراعة العنب ، وزراعة الرمان وزراعة التين الهندي، وزراعة القمح
والشعير. إضافة إلى الزراعة البعلية من الخضروات بأنواعها ، كما تنبت بصحرائها
الأعشاب البرية. كالزعتر ، والبابونج. والأزهار البرية ونبات الفطر بأنواعه
المختلفة وخصوصاً " القمحي "
كما يعشق سكانها الصيد وكثير منهم
يحترفونه ، فإن أداروا ظهورهم للبحر سيطاردون الأرانب البرية والطيور كاليمام أو
الحمام البري المهاجر والأوز وطائر النغاق وكذلك الطيور الصغيرة بما يسمى بالشحيم والحجل
والبجع. والتي يصطادونها ببنادق الصيد وكذلك عن طريق الشباك ، وإن أداروا ظهورهم
للصحراء فإن البحر سيكون مصدر رزق لهم وأيضاً يمارس فيه هوايتهم لاصطياد الأسماك
بأنواعها عن طريق مراكب الصيد بالشباك فبحرها يشتهر بكثرة الأسماك وبمختلف
أنواعها .
في
ستينات القرن الماضي الغزلان كانت تسرح وتمرح في نواحيها ، كما كانت ومازالت تشتهر
طبرق برياضة وهواية صيد الصقور والشواهين ولعل أشهر صيادي الصقور العرب الصياد
رسلان الحبوني من مدينة طبرق وغيره من الصيادين والذين توارثوا هذه الهواية جيلاً
بعد جيل .
مدينة طبرق هي مدينة الثقافة والتراث ،
طبرق تفتخر بتراثها الأصيل وعاداتها وتقاليدها والتي تشتم فيها روح الوطن سواء في
الأفراح أو الأتراح أو في كل المناسبات الاجتماعية والتي يربطها النسيج القبلي بشئ
من الاحترام والإبداع والأصالة ، كما تشتهر بالغناء الشعبي والذي يتوارثه شعراؤها
ومبدعوها من جيل إلى جيل حتى يومنا هذا ، شعراء طبرق الشعبيين تتلون قصائدهم وتقطر
جزالة وعذوبة ، والذين كان لهم دوراً كبيراً في حركة الجهاد بالكلمة ولعل من أبرز
القصائد التي أرخت لمراحل من الجهاد الليبي قصيدة " ما بي مرض غير دار العقيلة " للشاعر رجب
بوحويش والتي يقول في مطلعها :
ما
بي مرض غير دار العقيلة وبعد الجفا من
البلاد الوصيلة
ومن شعراء المدينة الشعبيين أيضا الشاعر هاشم
بوالخطابية صاحب قصيدة البير وهى من روائع الشعر الشعبي على هيأة تساؤلات للبيرعن
محبوبته وردود وأجوبة من هذا البير والذي الحياة بداخله ومن هذه القصيدة نذكر:
سوال
النبي يا بير ما ورداتك ودلت سوالفها
على جالاتك
الشاعر
:
سوال
النبي يا بير ما وردنك بناويت كي لون
الغزلة جنك
ونا
صغير ومعاهن وهن يسقنك ومجن ايديهن في
شراب قناتك
يرقن
غراضي وين ما يرعنك ويخطر عليهن صوب
في غياتك
البير
:
واجد
جـــــــــــــــــــــــــــاني
بناويت وقرونهن طوال مثاني
عللهن
مردع كيف حيط الباني وفيهن اللي غرا
بنار نهار أماتك
ياك
تنتصح وتسيب هالمعاني وتخفف على ذنبك
نهار أماتك
طبرق خرج من رحمها المسرح الليبي بعد أن
استقبلت الفنان محمد عبد الهادي فور عودته من بيروت ليتحصل على أول ترخيص بإنشاء
فرقة مسرحية في مدينة طبرق أطلق عليها فرقة هواة التمثيل عام 1926 لتكون هي مهد
المسرح في ليبيا ، فهي مدينة الفن ومدينة المسرح ولعل ذلك يبدو واضحاً في عيون
زائريها الذين يقعون أسرى لهدوئها ولجمالها ولسحرها ، ريادة فنية ، وكذلك ريادة
رياضية فالفن والرياضة وجها الإبداع في طبرق فمثلما كانت هي الرائدة في الوقوف على
خشبة أبي الفنون كانت رائدة أيضاً في مداعبة كرة القدم لتنطلق كرة القدم الليبية
هنا من طبرق عام 1922 عندما أسس أول نادي رياضي باسم نادي طبرق لتعتلي أيضاً سلم
الريادة الليبية في تأسيس الأندية الليبية للعبة الشعبية الأولى .
طبرق هي مدينة الحكي الجميل ويضرب بها
المثل ويقال "حكاء طبرقي " وطبرق تحوي الكثير من المجموعات القصصية
والتي تجاوزت الخمسة عشر مجموعة قصصية مطبوعة ناهيك عن جملة من المخطوطات .
كما يوجد بالمدينة متحف يحوي العديد من المقتنيات
الشعبية وكذلك المقتنيات الحربية والعسكرية الشاهدة على حضارة وعراقة طبرق ، كما
تحتضن المدينة آلاف من الكتب موجودة في مركز طبرق الثقافي والذي يعتبر بمثابة
نافذة المدينة الثقافية والذي بدأت وزارة الثقافة منذ شهور في نفخ الروح فيه
بصيانة شاملة لكي يعود من جديد لاحتضان المبدعين والمثقفين ، إضافة إلى المكتبة
العامة .
كما تعانق صحرائها الطائرة الأمريكية (الليدي بي قود) والتي
فقدت فترة من الزمن ليتم اكتشافها بعد سنوات أنها احتضنت صحراء طبرق بعد أن كتب
طاقمها وصاياهم ووضعوها في زجاجات فارغة بعد أن فرغ صبرهم في التمسك بآخر رمق في
الحياة .
ومن
نواحي طبرق منطقة البردي التي تتميز بشاطئ جميل وبموقع رائع كما أنها تحتضن غرفة
الجندي البريطاني جون برل وهو مسئول
الشفرة أو اللاسلكي خلال الحرب العالمية التي جرت معظم أحداثها على
الأراضي الليبية ،والتي صور في جزئها العلوي حياة العالم قبل الحرب العالمية بما
فيها من اللهو والموسيقى والطعام والمشروبات, وكذلك بعض الصحف والعملات , ويصور
الجزء السفلي من الصور القتل والدمار وملامح البؤس على وجوه البشر والجماجم
المبعثرة في كل مكان أثناء مرحلة الحرب , كما نشير أيضا أن المبنى في الأصل تركي
بدليل البلاط الموجود أسفل البلاط الايطالي بحوالى 50 سم وتم اكتشاف نفق يصل البحر إمام الجهة الشمالية
للمبنى واكتشاف أيضا رسم لأشخاص آخرين داخل المبنى لم يتم التعرف عليهم حاليا .
هذا جزء يسير في عالم ريادة وأصالة وتاريخ
وحضارة طبرق ، وأختم هذا الحديث بقصيدة في وصف طبرق للشاعر محمد الحصادي :
ثغر
لطبرق حسنه رباني متبسم بالأمن للربان
متوسط
في أبيض متوسط بين المضايق جل رب باني
لبواخر
الرومان أضحى معقلاً ترسو به ومواخر
اليونان
بيض
الجواري حين يطغى أبيض تجري إليه
سريعة الخفقان
فيجيرها
بولوجه منظومة في جيده كالدر
والمرجان
فكأنها
في الليل وهى مراكب بالكهرباء كوكب
كيوان
نجحت
وما جنحت به فلك رست فكأنه الجودي في
الطوفان
فالجأ
لطبرق أيها الملاح إن خفت الردى تظفر
بنيل أمان
مينا
تجير اللاجئين أمينة من وصلة الأمواج
والطغيان
كانت
على حصن قديم قد وهى أخذت عليه طوارق
الحدثان
فبحاله
ينبيك عن سكانه من سالف الإغريق
والرومان
لو
تنطق الآثار يوماً أخبرت بشديد بطش
الدهر بالإنسان
أمسى
خلاء ما به من ساكن إلا فصائل من بني
العربان
تجتازه
طوراً وطوراً ترتقي أفعالهم لسقائف
البطنان
حتى
بنت تركية لما أتت قصراً به لجماية
الأوطان
فبنوا
حواليه وأضحى قرية معمورة بالناس
والبنيان
وتمدنت
فزهت بشكل مدينة عصرية من أجمل
البلدان
طيب
الهواء بها وطبيعي وكم للأرض من أثر
على السكان
إني
رأيت بها أفاضل سادة يتقارعون على
قرى الضيفان
من
كل مقوال أريب شاعر راو أديب كاتب
فنان
فتيان
فن بارعون كأنهم زهر ترى في طالع
الميزان
ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻲ ﺳﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﺎﻳﻊ ...ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻮﺵ ﺧﺎﻓﻲ
ردحذفﺇﻥ ﺩﺭﺕ ﺧﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻔﻦ ﺿﺎﻳﻊ ... ﻭﻳﺮﺩﻭﻩ ﺍﻻﺟﻮﺍﺩ ﻭﺍﻓﻲ