شهادة عائد من معتقلات «داعش» في سرت !؟


روى «عمر» - أو هكذا عرَّف نفسه خشية انتقام التنظيم - ما تعرض له من تعذيب جسدي ونفسي خلال فترة اختطافه التي دامت ثلاثة أشهر، وقال لـ«الوسط»: «اختطفني أربعة ملثمين من الأمنيين (مخابرات داعش) في الخامس عشر من نوفمبر الماضي، وكان من بينهم شخص أعتقد أنه من درنة، وآخرون من بلدة النوفلية»، حسب قوله.ويطلق «داعش» مسمى «الأمنيين» على خلية من عناصره مكلفة بمهام التجسس ورصد المواطنين، وخطف المطلوبين لدى «داعش»، واقتيادهم إلى «سجون سرية» أو تصفيتهم جسدياً، وتعد واحدة من أربع جهات أنشأها التنظيم للخطف والإفراج، ولكل منها اختصاصاتها وسجونها، وهي الشرطة الإسلامية، والحسبة، والمحكمة الإسلامية.
ذكريات الخوف؟
-----------------
وفي حديث يستحضر ذكريات الخوف والفزع، يروي عمر كيف عصب عناصر «داعش» عينيه عند دخول معقل التنظيم في مدينة سرت، لتتحرك السيارة التي تقله على يسار الطريق مع دوار سرت، وتنقله إلى سجن في مقر سابق للأمن الداخلي يسميه التنظيم «صفرين (00)».عند وصول عمر إلى السجن، كان في استقباله المسؤول الإداري بالسجن، وهو عنصر داعشي ينتمي إلى الجنسية السودانية ويدعى «أنور» ويقول: «كان سجن الصفرين مكتظاً بالسجناء، من بينهم ثلاثة أطباء هنود مخطوفين منذ 102 يوم، وليبيان اثنان أحدهما مخطوف من مدينة الكفرة منذ 43 يوماً ويدعى يونس قريميش الزوي، أما الآخر فمن مدينة درنة» ولم تخل رحلة «عمر» في سجون «داعش» من المفارقات، إذ طلب من المسؤول الإداري تعجيل النظر في وضعي بعد بقائي 14 يوماً في السجن، وكانت المفاجأة هي استجابة المسؤول الذي ملأ استبياناً بمعلومات مختلفة طلبها مني، ونقلني إلى سجن آخر برفقة أحد الأمنيين.
الانتقال إلى التحقيق
---------------------
وكما هي عادة الأمنيين «مخابرات داعش» الذين ينتمون لجنسيات أجنبية في التنقل بعد منتصف الليل، فقد نُقل عمر برفقة أحد الأمنيين وهو سائق تونسي مخصص لهذه العمليات يكنى بـ«أبو يحيى»، ويصفه بأنه رجل قليل الحديث، كثير الحركة، ذو نظرة ترى من خلالها الموت البارد، ويقول: «بعد جولة طويلة بغرض التمويه، أودعني السائق في سجن مستحدث لفترة لم تدم أكثر من 24 ساعة، وكانت زنزانته عديمة النوافذ، ويسمح فيها بالذهاب إلى الحمَّام مرة واحدة في اليوم» ويدير «داعش» آليات التحقيق والتعذيب في سجونه بأساليب ممنهجة ومرتب لها مسبقاً من الناحية الإدارية، وحسب «عمر»، فإن أساليبها لا تختلف عن أساليب أجهزة الأمن التابعة للنظام السابق.ويقول: «خضعت للتحقيق في السجن الثالث الذي يخضع لوالي «داعش» السعودي مباشرة، وكان يشرف عليه أبوعامر السعودي ويُكنى بـ«أبوعبدالله»، مضيفاً: «ربطوا أعيننا وكبلوا أيدينا قبل دخول غرفة التحقيق، وعندما وصلنا للغرفة بدأ استجوابنا بأسئلة عامة للتعرف على الفكر وبعض الكتب، التي يعود بعضها للعامين 2013 و2014».
التعذيب بقدر الطعام
----------------------
واشتدت ملامح الأسى على وجه عمر حين أتى على ذكر التعذيب، وقال: «كانوا يعذبوننا بنفس الدرجة التي يطعموننا بها»، مضيفاً «انهالت الاتهامات الملفقة، وأنكرت كل شيء، لكنهم كبلوا يدي للخلف وعلقوني لساعات وتعرضت لألوان الضرب والإهانة والشتم، واتهموني بالتستر على معلومات».ويردف قائلاً: «أرادوا أن أعترف وأقر وأشهد، لكن لم أكن على علم بكل ما سمعته منهم، لدرجة أنني أدليت باعترافات في أكثر من 18 صفحة، لكن حقيقة ما قلته لم يكن يتعدى نصف صفحة».كان الدواعش يتفنون في تعذيب السجناء، ويستحضر عمر مشهد «رجل معلق من قدميه من مدينة سرت يدعى (سعيد درياق)، وقد ظهر على جسده آثار التعذيب بالسياط». وينقل عن مسؤول الاستجوابات السعودي قوله خلال إحدى نوبات التعذيب: «لم نحصل منه على راس خيط»، ليرد عليه شخص بلهجة أهالي سرت: «كلامه فيه من الصدق»، لافتاً: «كل يوم كانوا يأخذوا منا مسجونين من بين 13 متهماً بالمشاركة في انتفاضة الحى رقم 3 في سرت، ويعدمون بعضًا منهم».
معاملة السجانين
-------------------
وبحسب عمر فان معاملة السجانين الأفارقة كانت أفضل من السجانين التوانسة، كما يروي أن بعض السجانين كانوا يستخدمون السجناء للتسلية الليلية، واستغلوا خوف أحدهم، وطلبوا ما سماه باللغة الدارجة «عنعنة» أي تقليد صوت السيارة.كان الموت يرنو بين عيني عمر في كل لحظة، خصوصاً مع وصوله إلى مرحلة المحاكمة وصدور الأحكام على المتهمين الذين تنتزع منهم الاعترافات تحت التعذيب، التي تكون 98% منها بالإعدام قتلاً، أو صلباً، أو نفياً من الأرض.وحلت تلك اللحظة في إحدى ليالي السجن موحشة الظلمة، طلبت عناصر «داعش» من عمر وسجينيْن آخرين الانتقال إلى سجون جديدة، وأحالوه إلى سجن «الحسبة»، بينما جرى نقل الآخريْن إلى المحكمة الإسلامية (في مقر محكمة سرت سابقاً)، وقبل الانتقال إلى السجون الجديدة، رفع السجانون بصمات السجناء الثلاثة، والتقطوا صوراً شخصية لهم. وفي هذا السياق يقول: «لم أكن أعرف مصيري حينها، لكن كنت أعرف أن ساعات قليلة تفصلني عن موت منتظر».لكن المفاجأة كانت أن السائق التونسي «أبويحيى» طمأنه بأن حياته ليست في خطر، على العكس من رفيقيه اللذين سيمثلان أمام محكمة «داعش»، مشيراً إلى أنه سيتلقى «دورة شرعية» للمساجين لعشرة أيام في سجن الحسبة، ثم الاستتابة الداعشية على ما يسمونها بالضلالات الكفرية، وسيتلقى في هذه الدورة محاضرات بعلوم العقيدة والفقه، ومنهج «داعش».
داخل سجن الحسبة
--------------------
وفي سجن الحسبة، كان المسؤول الإداري مصرياً ويدعى أبو عبدالله المصري، إضافة إلى بعض السجانين الصوماليين، في حين كان من بين المخطوفين شخص من مدينة المرج ويدعى وسام مرعي، وأخبره بأنه يسكن بجوار مدرسة جمال عبدالناصر، وأن التنظيم يرفض إطلاق سراح الأخير منذ فترة.وتزامنت الفترة التي قضاها عمر في سجون «داعش» مع هجوم التنظيم على الهلال النفطي في الرابع من يناير الماضي، ويقول: «زجوا بسجناء تابعين للتنظيم معنا في السجن في يوم 6 يناير، بعد فرارهم من المعركة التي دارت بين عناصر التنظيم وحرس المنشآت النفطية في الهلال النفطي».ونَقل عمر عن الصوماليين المحتجزين في زنازين «داعش» قولهم: «إن التنظيم زج بكثير من الأجانب في الصفوف الأمامية للقتال دون تدريب»، مشيراً إلى «إعدام الذين يرفضون القتال في التنظيم».
وأضاف: «يتعيَّن على أي شخص يحاول الفرار المرور بكثير من نقاط التفتيش التي يسيطر عليها الإرهابيون، ما يعرِّضه بشكل كبير لخطر القبض عليه، ومن ثم سجنه وإعدامه».

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قيل عن بــرقة "سُمع عمرو بن العاص يقول على المنبر في أهل برقة: هم أصحاب عهد إن عاهدوا".

صب المر كان المر طاب .. مفيش امر من فرق الأحباب

اصحاب غبت عنهم قلت ياك ايجوني * رايفت جيت لقيت مايبوني ...الشاعر: صالح بوعياد الشهيبي