الطيب الشريف خيرالله ... لقاء جنيف ـ سويسرا ....التاريخ : ـ 14 / 2 / 2018م.


باسم اللــه الرحمـــــــن الرحيم
.....
الحمـد لله رب العالمين ... والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين ... سيدنا ومولانا محمد الصادق الأمين .
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم " ربنـا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ، وأنت خير الفاتحين " صدق الله العظيم .
السادة : ـ مركز الحـــــــوار الإنساني الموقــــــر .
الســيد : ـ معـــــالي مبعوث الأمم المتحـــــــــــدة .
السادة : ـ الأخوة أبنـــــاء ليبيا الكـــــــــــــــــرام .
السلام عليكم ورحمة الله وبركــــاته ،،،،،
أمـــــــــــــــا بعد : ــ
في خضم هذه الأحداث ، والظروف التي عشناها ، وما زلنا ، خلال هذه السنوات العجاف ؛ يحدونا الأمل بوجود فرصة ماتزال متاحة ، قد ينتهزها أشراف هذا الوطن ، والمخلصين لترابه ، لتكون مفتاحا من مفاتيح الخير ، وبابا من أبواب الوطنية الصادقة ؛ للرجوع إلي الحق ، وصلة الرحم ، وحصر الولاء لله ولهذا الوطن الحبيب ، الذي يمكننا ـ وحدنا ـ بقوة الإرادة ، والتصميم والعزم ، والابتعاد عن المصالح الخاصة ، وحب السيطرة والأثرة ؛ إن نقرر مصيره ، ونحدد مستقبله ، وذلك بنزع رسن قيادته ، من أيدي من يريدون تدميره ، وتغيير مساره ؛ سواء كانوا من داخل الوطن ، أو من خارجه .
.....
السادة الأفــــاضل ،،،،،
إن اسم برقة اسم تاريخي ، لم يبتدعه أحد ، وهو يطلق على هذه البقعة الجغرافية من قبــــل ميلاد السيد المسيح ؛ عليه السلام بستة قرون ، ولم يحاول أحد تغييره ، وهو يطلق على هـــــــذه المنطقة في جميع مراحل التاريخ ،رغم تغير السلطات التي حكمتها ؛ إغريقياً ، رومانياً ، فرعونياً إسلامياً ، عثمانياً ، إيطاليا ، وبريطانياً . ولما قامت ليبيا كدولة لأول مرة تحت هذا الاسم ، وتـــم إعلان استقلالها في 21 / نوفمبر 1949 م ، بموجب قرار هيئة الأمم المتحدة ( 289 / 4 ) أكــــد ذلك القرار على قيام ليبيا كدولة مستقلة ؛ والتي تتكون من : برقـــــــة ، طرابلس ، وفــــــــزان وكان اسم برقة يتصدر هذا القرار ! .

إن جميع المراجع الدولية ، والعلمية تتعامل مع هذا الاسم عند أي محاولة أو بحث تاريخي أو جغرافي أو معلوماتي حول هذه الرقعة، وإلغاء هذا الاسم وتحريفه ، يعتبر إلغاء لتاريخ هذه المنطقة وتاريخ أهلها وطمس متعمد لهويتها ، وإنكار لدورها ! وهي بذلك دعوة صريحة لأهل برقة لرفض هذا السلوك وهذا المنهج ، بل دعوة للابتعاد عمن يتمسكون به ويصرون عليه . إن المساس بحدود برقة الجغرافية ومحاولة دمجها ، أو جزء منها مع آخرين ؛ يدل على نية متعمدة لإلغاء جسم جغرافي ؛ تاريخيا ، وسياسيا ، واجتماعيا ، وشطبه بالكامل من جميع الموسوعات والمراجع العالمية ؟ ! . إن الحدود الإدارية ؛ حتي داخل إقليم برقة نفسها ؛ تمثل تراثا اجتماعيا ، حافظت عليه واحترمته جميع القوى التي تعاقبت عل حكم برقة ، على تباين أديانها ، وأعراقها ، واجناسها ، ولغاتها وأنظمتها السياسية ! ولم يكن هذا الجسم ، في يوم ما ، إلا جسما واحدا ، وسدا منيعا ؛ لحماية هذا الوطن والذود عن حياضه وحرماته وكرامة أهله . إن للتراث شأنه الكبير؛ فمن غير المألوف أن تواصل الشعوب مسيرتها التاريخية ، كما لو كانت بلا ماض .
.....
إن المبادرات المطروحة ، تعوزها الجدية ، وأصبحت مشتتة وكثيرة ، وكأنها تطرح فقط من باب المراعاة الشكلية للسياسات المعلنة ! وبالتالي تعوزها الحيوية والتصميم ومعالجة أساس المشكلة، وليس قشورها ؟ ! إننا لا نتحدث عن قلق نتوقعه ، أو خوف من هيمنة وتهميش وإقصاء في الأفق ! بل نتحدث عن واقع معاش ، وتجربة حية ومتكررة ، وحقائق بالأرقام موثقة ومعتمدة ، وإحصاءات صحيحة صادقة وملموسة ، لا يمكن التعايش معها أو الصبر والركون إليها ، أو محاولة الحديث عن استمرارها وتجاهلها وبناء دولة في ظلها ؟! .

إن ما مر بنا طيلة سنوات كثيرة ، هو ما ثرنا عليه ، بعد تجربة مريرة مأساوية ؛ تركت جراحا لا تندمل ، لا يزول تأثيرها بالوعود والآمال ، والحلول التلفيقية ؛ إنها حقوق مشروعة يفرضها التاريخ والدور المميز ، والشراكة الحقيقية في الوطن ، تتطلب معالجة جذرية صادقة وأمينة ؛ باعتماد نظام سياسي واضح المعالم ؛ يكفل أمرين لا ثالث لهما ؛ وحدة الوطن ، وشراكة حقيقية في حكمه وإدارته، يضمن حقوق المكونات الرئيسية المؤسسة ، بعيدا عن المصالح والطموحات الخاصة ، والأجندات المعروضة من داخل الوطن وخارجه ! . وذلك بإعطاء مكونات ليبيا التاريخية حقا دستوريا لإدارة شؤونها الداخلية بشكل كامل ، وترك الأمور الخارجية لحكومة اتحادية مركزية .
.....
السادة الكرام ،،،،
إذا كان هناك رغبة صادقة في وحدة ليبيا ، وبقائها كدولة تحت هذا الاسم ؛ فإن ذلك لا يتمثل في لجان حوار بين أطراف متصارعة علي السلطة ، كانوا ومازالوا هم أساس المشاكل القائمة ، وبالتالي لا يمكن أن يكونوا جزءا من الحل ! أو الحديث عن نزع سلاح ، ومصالحة وطنية ، في ظل مخططات معينة وأهداف مرسومة ، وأجندات موضوعة ، يسعي كل طرف لتحقيقها ، وأصبح التوافق المنشود مرتبطا بذلك ! .
إن العلاقات المتوترة بين الأطراف في ليبيا ، هي التي تتحكم في مصيرها الآن ! ووثيقة الصلة والارتباط بها ، ولذلك فعلينا أن نبدأ بداية صحيحة ، تؤدي حتما إلي نتائج سياسية ؟ ففي مجتمع شديد الانقسام ؛ تصبح الخطط الشاملة الفضفاضة محدودة الأثر وغير مجدية ؟. إن إدراك هذه الحقيقة ؛ يمثل الأمل الأقوى والصحيح والوحيد ؛ لتحويل مجتمع شديد الانقسام ، إلى مجتمع متجانس ، علي نحو أو آخر .
إننا نعبر عن قلق مخلص حول مستقبل وطننا ؛ أكثر منه انتقادا للماضي ، وإننا لسنا بصدد إدانة الأمس - وهي واردة ومطلوبة - ولكننا الآن نحاول جادين تجنب أخطاء الماضي . إن هذا الموقف لا نراه يمثل غضبا واحتجاجاً فقط ؛ بل نراه تحذيراً مخلصاً وعاقلاً ؛ يدعو إلى بذل أقصى الجهد والتضحيات لتفادي هذه الأخطاء ، وعدم تكرارها .

إن ليبيا الآن أصبحت ثلاث : إحداها ليبيا إدريس السنوسي " رحمه الله " . والثانية : ليبيا الكتاب الأخضر والنظرية العالمية الثالثة ، أي ليبيا معمر القذافي ". والثالثة : ليبيا الإسلام السياسي ؛ الذي أصبح أكثر من دين ومذهب ؛ فليبيا الأولى قامت على المبادئ السامية والقيم الانسانية ، وتاريخ وتجارب وثقافة المجتمع الليبي وعاداته وتقاليده ! والثانية قامت على الحكم الشمولي والديكتاتورية وإقصاء وتهميش برقة ؛ والثالثة يراد لها أن تقوم على دين جديد وقيم مستحدثة يقودها تطرف وإرهاب ، يعتمد على القتل والتعصب وفرض قيم وثقافة وأخلاق مستوردة ؛ علينا ، وعلى بقية انحاء العالم ؟!.
إن أكثر الناس قيمة والوطني الصادق ؛ هو من يدين بالمثل والمبادئ التي قامت عليها بلاده ومجتمعه ، وليس بسياساتها الراهنة .
.....
الســـــادة الأفاضل ،،،
تأتي لحظات في حياة الناس العامة والخاصة على السواء ؛ يصبح فيها الاحتجاج مطلباً مفروضا ، ليس لأنه سيؤدي إلى نتائج هامة وضرورية فقط ؛ بل لأن كرامة الناس وشعورهم وإحساسهم ، وبالتالي مستقبلهم كله أصبح يتعرض للإهانة والازدراء ، وأن الكيل قد فاض على القدرة والتحمل والصبر ؛ عندئذ يصبح هذا الاحتجاج أكثر الوظائف المتاحة قيمة ووطنية .
ولا توجد أية فضيلة على الاطلاق ؛ بفرض وحدة مزيفة على حساب تجاهل وإلغاء العناصر التي توحد الليبيين ، وبالتالي توحد الوطن ثم تؤسس لبناء دولة تقوم ؛ لتستقر ؟! .

إن جميع الثورات في العالم لم تقم من أجل الديمقراطية التي يرفع شعاراتها الكثيرون ، ولكنها قامت أساساً لأسباب اجتماعية واقتصادية ، ومن أجل التحديث وليس التحول الديمقراطي الذي لا نرفضه ؛ ولكنه لا معنى له في ظل مظالم وحقوق ضائعة وتخلف اقتصادي وفساد مالي وإداري . إن ليبيا قد تكون على استعداد أكثر من غيرها للنهوض وانتشالها مما هي فيه بسرعة وأسرع وقت ، ولكن لا يمكن تحقيق هذه النهضة في ظل تجاهل الجوانب السياسية والاجتماعية ، والحقوق المشروعة والمشاركة الفعلية لحكم الوطن للأطراف التي كانت وراء تأسيسه وخلقه .

( أن الثورة – أي ثورة ) ستكون ببساطة مفتاحاً لفشل سياسي واجتماعي اذا لم تعالج هذه الادواء وتكون الثورة بذلك قد فقدت مبررات قيامها ، ويصبح إنجازها الوحيد قد انحصر في التخلص من مؤسسات سابقة فقط دون بناء دولة صحيحة قامت هذه الثورة من أجل – تحقيقها .

كما لا يمكننا إعادة صنع التاريخ ؛ ولكن يجب علينا تقييم الأخطاء الماضية لأنه أمر لا غنى عنه لتصحيحها وعدم تكرارها ، كما أن التاريخ لا يخبر أحدا بما يتحتم عليه فعله ؛ ولكن بما فيه من تجارب وسجله من إيجابيات وسلبيات ؛ يمكن أن يقدم لنا إرشادات بشأن الخطوات والسياسات التي تؤدي إلى النجاح ويؤشر إلى غيرها من التجارب التي أدت إلى الفشل والسقوط .
.....
إن خصوم الحرب العالمية الأولى ، عجزوا ، أو تعمدوا عدم الوصول إلى مصالحة عادلة ، بعد انتصار طرف على آخر ؛ لقد كان هذا الخطأ وراء صعود هتلر والنازية في الثلاثينيات من القرن الماضي ، ومن ثم نشوب الحرب العالمية الثانية المدمرة ، كما كان النصر في الحرب العالمية الثانية 1945م وراء زرع الحرب الباردة ؟. وأصبح تدمير ألمانيا واليابان فرصة للاتحاد السوفيتي لسد هذا الفراغ ! .
.....
الأخوة الأفاضـــل ،،،،،
ان الفجوة التي استعصت على الردم بين الليبيين ، كانت بسبب الطريقة والاسلوب الذي يراد بهما بناء مؤسسات لإقامة دولة حقيقية ! .
إن محاولة صنع دستور وصياغته لخدمة أطراف معينة ؛ ليكون مرجعاً لهذه الدولة المنتظرة ، تم وضعه وصياغته ؛ لإعطاء شرعية لجهة معينة للهيمنة واستمرار استحواذها على جميع مكاسب الوطن ، وخيراته وإدارته ، وهذا جزء من مخطط بدأ رسمه في الساعات الاولى لسرقة الثورة وتغيير مسارها ، وتم سن القوانين واللوائح والتشريعات ، وتحديد الدوائر الانتخابية التي جعلت لبرقة 60 عضواً من مائتين ، لتكون تابعة وعاجزة عن المشاركة في الحكم أو اتخاذ قرار أو منع قرار، تمشياً مع الديمقراطية التي فصلت لتكون بهذا المقاس ؟!. إن التوازن الحقيقي والمشاركة الصحيحة في حكم الأوطان لا تنحصر في عدد السكان فقط ، بل لها مرتكزات وعناصر أخرى ؛ جغرافية ، واقتصادية ودور ريادي وتأسيسي ، يجعل لأقلية ما حقاً مشروعاً يدعمه تاريخ وجغرافيا ، وثورة وجهاد ، قارع الاستعمار الايطالي ، وأزال حكماً ديكتاتورياً ظالماً لبناء وطن عزيز تسوده العدالة والمساواة ، ويقر كل طرف بالفضل لإصحاب الفضل فيه .
.....
إن ولاية فريجينا ليست أكثر الولايات المتحدة الأمريكية سكاناً ، ولكنها أنجبت جورج واشنطن ، وتوماس جيفرسون ؟!! .
وبرقة انجبت ادريس السنوسي ، وأحمد الشريف ، وعمر المختار ، وأسست جيش التحرير وأصبحت عضواً في الجيش الثامن البريطاني ، وجاءت باستقلال ليبيا بوفد برقاوي صرف في الامم المتحدة ، وتشكل برقة نصف مساحة ليبيا وتغطى 70 % من دخلها وميزانيتها ، ومنها النهر الصناعي . وهي التي حاربت الإرهاب والتطرف، وأسست جيشاً وطنياً بقيادة وطنية باسلة قهرت الإرهاب والتطرف ، وانتشلت ليبيا كلها من مصير مظلم كان يخطط لها .
.....
يقول " كيسنجر " وزير الخارجية الأمريكي الأشهر في كتابه – النظام العالمي – الصادر سنة 2014 م :ـ " ان في ليبيا تلك البلاد الواسعة ، ذات الكثافة السكانية المتدنية ، المبتلية بالانقسامات الطائفية ، والجماعات القبلية المتحاربة ، تلك البلاد التي لم تعش تاريخاً مشتركاً إلا في ظل الاستعمار الايطالي ! كانت الإطاحة بالديكتاتور الاجرامي القذافي ، قد عنت عملياً ؛ إزاحة أي شيء شبيه بنظام حكم يماثله ، له علاقة بالإدارة الرسمية ، وقد سارعت القبائل والاقاليم إلى التسلح لتأمين الحكم الذاتي من الهيمنة عن طريق ميليشيات مسلحة .

الرئيس الامريكي الثالث ، وكاتب ديباجة الدستور الأمريكي " توماس جيفرسون " كتب لصديق له يدعي " أ. ل. تراسي " رسالة في 26 يناير 1811م ، يقول فيها :ـ إن ست عشرة ولاية مجتمعة تحت تنظيم دوري ، وقادة قانونيين متحدين في الهدف والفعل ، بموجب الدستور ، أو بموجب لجنة خاصة إذا كان الدستور مكبلا ، تمثل عائقاً في وجه المغتصب؛ بحيث تقمع طموحاته حال تفكيره فيها ! ويعني بذلك النظام " الفيدرالي " وهو النظام الذي تمت به الإطاحة في ليبيا ؛ توطئة لانقلاب القذافي ، الذي كانت شركات البترول وراءه ! لانهم يؤمنون ـ كأمريكيين - أن أي انقلاب لا يمكن له النجاح في ظل نظام فيدرالي .

ورسالة أخرى من الرئيس " توماس جيفرسون " إلى – غيديون غرانجر – بتاريخ 13 أغسطس 1800م يقول فيها :ـ " إن بلدنا كبير جداً ، إلى حد لا يسمح لحكومة واحدة بأن تتصرف في شؤونه ، وموظفو الدولة – بحكم بعدهم هذا – ولكونهم تحت نظر ناخبيهم ؛ لا يمكنهم بفعل المسافة إدارة ومعرفة كل التفاصيل اللازمة لحكم مواطنيهم ، بشكل جيد ومتابعتها ، والظروف نفسها التي لا تمكن ناخبيهم من متابعة شؤون الدولة ؛ ستدعو موظفي الدولة إلى الفساد والنهب والتبديد . والحق إني أعتقد أنه إذا ساء تطبيق قانون عام في الولايات المتحدة – وهو المبدأ الذي يمكن الحكومة العامة من كل سلطات حكومات الولايات ، ويقلصنا إلى حكومة واحدة مدمجة – فسوف تصبح هذه الحكومة أكثر حكومات الأرض فساداً ؟! .
ثم يمضي فيقول :ـ " لقد رأيت ممارسات موظفي الدولة التي يموهون بها تصرفاتهم ؛ وإن لم يستطيعوا ذلك ، يصقلوا تصرفاتهم بالأوهام حتى يخدعوا ناخبيهم ، ويا له من تعزيز لمجالات العمل بالمفرق والتدبر ، وخلق الوظائف واصطيادها ، أن كل ذلك ؛ يكمن في تولى حكومة عامة لسلطات الولايات جميعها . ان المبدأ الحقيقي في دستورنا ، لهو حقاً الاكثر حكمةً والأفضل ؛ ألا وهو أن تكون الولايات مستقلة في كل ما يخص شؤونها الداخلية ، ومتحدة فقط ، في كل ما يخص علاقاتها الخارجية .

وميثاق الاطلسي ، ذي المبادئ الثمانية ؛ الذي نتج عن اجتماع " روزفلت – تشرتشل – في أغسطس 1941 م ينص في أحد بنوده علي ما يلي :ـ " من حق جميع الشعوب اختيار شكل الحكم الذي يعيشون في ظله ووضع حد للاحتلال الجغرافي ، رغماً عن إرادة الكتل السكانية فيه "
.....
إن البعض لا يرى بأسا في عقد تسوية علي حساب المبادئ في سبيل النتائج ! ونحن لا نرى ذلك ولا نؤمن به ! بل نعتقد أن المبادئ التي أسست عليها ليبيا كدولة اتحادية لأول مرة في التاريخ ، وجعلت منها جسما واحدا متماسكا ، هي الأساس للوفاق الحقيقي ، والوصول إلى الثوابت الصحيحة ، التي تنهي أزمة ليبيا وجميع مشاكلها ، وهي الخطوة الأولى التي ستكون مفتاحا لحل جميع القضايا والملفات العالقة الأخرى ! . وهي قضايا خلقت وزرعت بعد الربيع العربي المزعوم ! قضايا وجدت ـ للأسف ـ من يدعمها ويغديها من أطراف دولية كثيرة ؛ زادت من الهوة الموجودة أصلا بين أطراف الوطن ؛ للسعي وراء مصالح وأجندات خاصة لكل هؤلاء ؟!.
.....
السادة الكرام :ـ
ان ليبيا ولدت في أحضان هيئة الأمم المتحدة ، وقرار استقلالها وتحديد نظامها جاء من هذه المنظمة وتحت رعايتها ، وعاشت ليبيا في ظل هذا النظام أسعد أيام تاريخها في فترة سيادة هذا النظام ، وما جاء بعده بدءاً من إلغاء هذا النظام في سنة 1963 م حتى الآن شكل فراغاً سياسياً ومرحلة خارج مسار التاريخ ، وتجربة مريرة لم يعاني منها الشعب الليبي وحده ، بل وصل رذاذها وأذاها إلى كل أرجاء المعمورة ؟ وها هي الأمم المتحدة تتولى بناء ليبيا من جديد ؛ أليس من الأجدر والأصح أن تقفل الأمم المتحدة هذا الملف ، وترجع إلى أرشيفها في زمن خلا من الفساد وأنصاف الرجال ! وإحياء قرارها الذي قامت عليه ليبيا علي أسس وطنية برعاية مؤسسيها العظام ، الذين ضحوا في سبيلها حتي تصبح أرضا حرة مستقلة كريمة وعزيزة ؟.

إن ليبيا في حاجة إلي نظام سياسي يجمع بين وحدتها ، ويكفل الحقوق المشروعة لمكوناتها التي قامت عليها كدولة لأول مرة في التاريخ ! . وعندما يصبح الخيار المطروح ؛ بين التقسيم أو المركزية والهيمنة ؛ فإن النظام الفيدرالي هو الحل الوسط الذي يصبح مطلبا وطنيا . ولا نزايد على أحد عندما نقول " أن ليبيا قد تكون الدولة الوحيدة ، بعد الولايات المتحدة ؛ التي كانت الولايات أساسا لبنائها ، وليس العكس ! " وبرقة كانت دولة مستقلة وهي التي ضمت طرابلس وفزان وتولت قيادة المعركة الدبلوماسية في أروقة الأمم المتحدة ، لتخرج دولة ليبيا الحالية إلي الوجود ، وكان دور برقة مع الحلفاء عنصرا هاما لدعمهم وإنجاح هذا الهدف . ! فبرقة لم تكن تابعة ؛ بل متبوعة ؟؟! ونحن إذا كنا ـ في كثير من الأحيان ـ نتحدث عن العدل ؛ فإن ذلك ، ببساطة وأمانة ؛ لأننا نحب هذا الوطن ، ونريد أن يكون حبنا له في العدل والحق والمساواة !. وعلينا ـ كليبيين ـ أن نتعلم كيف نبني بلادنا ونديرها ، وإذا لم نفعل ذلك ؛ فسوف نخسر كثيرا ، وكثيرا جدا ! وكلنا أيضا ؛ يعرف المصاعب والقضايا التي تواجهنا ، ولا نشك جميعا في ذلك ؛ ولكن ذلك يفرض علينا ترتيب بيتنا من الداخل بأنفسنا ، وهذا لا يتم ؛ إذا كانت مرجعيتنا من خارج الوطن ؛ فإننا في النهاية سنفقد السيطرة علي بلادنا ؟.
.....
إننا نسعي بإخلاص لترك ذكري طيبة ، وتجربة حسنة ، وعملا صالحا ، وسجلا أبيضا ، ولم نكن في يوم من الأيام دعاة فرقة أو انشقاق ، وتمثل برقة عمليا ، وعلي أرض الواقع ؛ وحدة ليبيا ، بسعة صدرها ، وترحيبها بكل زائر ، أو عابر سبيل ؛ فكيف بالأخ والرفيق والشريك ! ولكن عندما تأخذ قضايا الوطن الهامة ، وتقرير مصيره ومستقبله اتجاها معاكسا للآمال الكبرى والطموحات الوطنية المخلصة ؛ وتصبح المصالح الخاصة ورفض الآخر ، واعتقاد البعض بأنهم أفضل من غيرهم وأحق باحتكار حكم الوطن وإدارته؛ وإنكار دور والآخرين وفضلهم وتضحياتهم ومواردهم وجهادهم وطمس تاريخهم ؛ فإن ذلك يفرض الانشقاق والانعزال ، وفقدان الثقة ، التي يصعب بناءها وترميم جراحها ؟! . إن الولاء للأوطان ، التزام يسبق أي ولاء آخر ؛ وعندما يكون مستفل الوطن في مهب الرياح فإن مسؤولية كل حر شريف ؛ تقوده إلي استقلالية الرأي، التي تقود بدورها إلي استقلالية الأحكام .
.....
واسمجوا لي في هذه الفقرة ؛ أن أتحدث عن نفسي ، لوصولي إلى سن فرضت علي ذلك ، فأقول:ــ " عندما استرجع ما فات في كل مرحلة عشتها ؛ أري أن الآراء التي صدرت عني ، لم تكن في يوم من الأيام بوحي أو توجيه من أحد . وبصرف النظر عن مدي قبولها أو رفضها ، فحينما أستعيد الأحداث الماضية ؛ فإنني أري ــ رغم يقيني وقناعتي بصواب رأيي ــ أن اللغة التي أتكلم بها كأنها غير مفهومة ! وممن ؟ من المجتمع الذي أنتمي إليه ، وأدين له ، بعد الله بالحب والولاء ، ومع يقيني مرة أخري بثقتي في قدرته علي تحقيقها ؛ لو استوعبها ؟! ومع كامل يقيني مرة ثالثة بوطنية الجميع ، وبعدهم عن الخيانة ؛ إلا أنني ألوم نفسي في مرات كثيرة ؛ علي المحاولات اليائسة التي قمت بها ، مما شعرت وكأنني أحرث في البحر ! وانتابني إحساس غير مريح ؛ بأن حياتي قد ذهبت في سبيل كرامة وحرية واستقلال ، وحقوق وطني ؛ يدون ثقتي في النتيجة التي كنت ، ولا زلت ، أحلم بها ! لأنني رأيت ـ وبكل ألم ـ أن المبادئ السامية ، والقيم الإنسانية الرفيعة ، والولاء الحقيقي للدين والوطن والأهل ؛ لم تعد تراها ؛ إلا حيث تكون المصالح ؟؟؟!.
.....
وأخيرا ، وليس آخرا ؛ لا يسعنا إلآٌ أن نتوجه بالشكر العميق ، لهذه المؤسسة السويسرية العظيمة ؛ المتمثلة في مركز الحوار الإنساني ؛ لهذه الدعوة الكريمة ـ وهي ليست المرة الأولي ـ التي تدل علي اهتمامها المستمر ، وإيمانها بمبادئها الإنسانية ، سعيا وراء المشاركة الفعالة لإيجاد مخرج وحل ؛ لليبيا العزيزة من أزمتها التي طالت وتشعبت ؛ فلهم منا خالص الامتنان والثناء ، مع صادق تمنياتنا .
.....
نسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ؛ إنه سميع مجيب ، والصلاة والسلام علي نبيه وخاتم رسله سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين .
اشكركم علي حسن الاستماع ، وأتمني لهذا اللقــاء ما يتمناه ابن بار بأهله ووطنه ،،،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركــــاته ،،،،،،
.....

(( الطيب الشريف خيراللـه ))
لقاء جنيف ـ سويسرا .
التاريخ : ـ 14 / 2 / 2018م.



  نشر: علي عطية المنصوري
    طبرق - ليبيا  2018/2/23



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قيل عن بــرقة "سُمع عمرو بن العاص يقول على المنبر في أهل برقة: هم أصحاب عهد إن عاهدوا".

صب المر كان المر طاب .. مفيش امر من فرق الأحباب

هذا زجاج من صحراء ليبيا غالي الثمن ومستكشف حديثا وله سمعة في سوق المعادن الثمينة