وحيد بوقعقيص يمشي بأسره وحيدا!



وحيد بوقعقيص يمشي بأسره وحيدا!

أحمد الفيتوري | 
 لسان الفتى نصف 
ونصف فؤاده 
فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
زهير بن أبي سلمى 


1 - بارعُ الطولِ فصيحُ الملامح، القليلُ الكلام، المُنصتُ حتى الثمالة، المسالمُ من لم يُلقِ سلاحهُ، الغضوب في الحق مِن الواجب من حقوقه، من مشاريعه أن نكون أو لا نكون، لهذا لم يرتض المُهادنة وارتضي أن يكون وحيدا فيما رأى، ونأى عن الادعاء والتملق حتى أمسي مُفردا بصيغة الجمع، هو من لم يبحث عن دور ليلعبه ولا لبس جلباب أحد اكتفي أن يكون: وحيد بوقعقيص، من"يمشي بأسره وحيدا" في زحامٍ من الأماني والأحلام والتؤدة والدقة، وإعمال العقل حتى النُخاع، المُستريب: الضد لمشعوذي العلم وحواة الأرقام تجار الكلام.
هو من لم يتنطع كما لم يرفع شعارا لم يشترِ السلامة.
يتأمل ويتفكر حتى يقول ليس على عجل من أمره، فيه روح طفل حتى في شيخوخته، مُصاب بالدهشة دائما، باحث دؤوب يشقى كي يتيقن ومتمرس شغوف بالمعرفة.

سريعُ الغضب حين يرى المُتنطع ما لا يعلم، حين يسمع القول الكذوب، حين يرى الكهانة لباس مسوح التقوى، ومُدعي الوطنية وما شابه، سريع الغضب هو من ليس على عجل من أمره.
أنيق هذا الجسور وواثق الخطى يمشي وغير مسرف في شيء، ما به من نقص لا يربكه بل يحثهُ على التواضع فليس من طبعهِ التعالي والطمع في الكمال.

وحيد بوقعقيص ينأى عن الضوء وعن الضوضاء، يركن للظل ويستظلُ في عطائهِ بالكتمان، هو الكريم كم يمقتُ التبجح، هو من لا يكره لا يحبُ الغلو وفي ذلك تطرفه.
2–
كان الشيخ الجزائري ابن باديس يتحدث في موضوعاته فقاطعه أحد المتنطعين: قولك هذا كما قول اليساريين، فرد عليهم وهو يرفع يديه بالدعاء إلى السماء: اللهم اجعلنا من أهل اليسار في الدنيا واجعلنا من أهل اليمين في الآخرة، أو كما قال.
وحيد بوقعقيص لم يقل ذلك لكنه فعل ما رأى أنه يجعلهُ كذلك.
وفي ذلك لم يكن يُنظّرُ بل ينظُرْ في الحياة، وعلى ذلك لم يستسِغ مُطلقي المُطلقات أصحاب النظريات الجاهزة والنهائية.
3–
لم ألتقِه كثيرا لكن في العديد من المرات حين يجيئني بالبيت- من عاداته معي أن يسأل عن حالي عبر الهاتف- يكون بين اثنين: أن يراني أو أن قضيةً تشغلُ باله تخص البلاد أو صديقا، أما ما يخص البلاد فلا ينقطع وفيه كان يسترسل، لكن ملاحظاته عادة ما تكون مشوبة بعدم التفاؤل مما هو حاصل قبل وعقب ثورة فبراير مباشرة، كان جد متوجسا من التطرف والعنف عند التيار الإسلامي، كما كان يري أن الاندفاع والتسابق على قيادة البلاد فيه غلو ومبالغة، كان قبل يرى أن نظام القذافي قد وضع البلاد في هاوية ليس من السهل الخروج منها.
كنا في بيتي في الأيام الأولى لثورة فبراير، بُعيد تكوين المجلس الانتقالي والمجلس التنفيذي، رنَ الموبايل فتح وأخذ يتحدث: لا أقبل أن أكون في أي منصب، هناك كثيرون يريدون مثل هذا المنصب ويتداعكون لأجل ذلك.
لم أعرف مع من يتحدث، لكن فهمت أن من يخاطبهُ أعلمهُ بصدورِ قرار فيه تكليف وحيد بوقعقيص برئاسة المؤسسة العامة للنفط، وهو الخبير في هذا المجال وعمله أساسا في المؤسسة. لم أفهم رفضهُ وحاولتُ ثنيهُ، لكنهُ بغضبٍ زجرني مُوضحا بأن ما سنعانيه سيكون من تكالب على المناصب، ومن أصدر القرار من أولهم، وهذا مما بالضبط جعل"القذافي" على صدورنا كل هذه العقود.
فيما بعد فهمتُ رفضه حين شاهدتُ العراك من أجل قضم كعكة فبراير، ثم فيما بعد البلاد جملة وتفصيلا.
4–
وحيداً مكتفياً بالذي أنا
بالذي جسدي في الثياب البسيطةِ
أركض كما لو أن البروق أحذيتي
وحيداً أعوي
أيتها الذئبة
خُذيني من فمي
بعيداً عن صدركِ
يغدو كلُّ شيء في غاية الفساد والأُبّهة
العصافيرُ ترتدي خوفَها الغامض
والشرفاتُ تهذي بشموس مُنقرضة
وحيداً
كلَّ ليلة
بأذنين خائفتين
أترقّب سقوطَ بيتي
خُذيني من فمي
أيتها الذئبةُ.. بدأت أتعبْ
من زوجتي
حين ترتّبني يداها بخيال واثق
قُمْ يا عِزّيَ طلع الصباحُ..
بدأتُ
أتعبْ
من أطفالي وهم يكبرون
دون ألعابٍ وحلوى
من مؤامرة المياه
في أحيائنا الرّثة
مالحة وتهرب
بدأتُ أتعبْ
من البدو وهم يقتحمون الشوارع
بسراويل الجينز
كلُّ شيء في غاية الفساد والأبّهة
لا الطمأنينة سقفٌ
ولا النساءُ، هنّ النساء
وحيداً وكفى
باطلٌ كلُّ حلم لا يُفضي إليّ
وكل احتفال بموتي هراء...
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
شعر : مفتاح العماري
من ديوانه : رجل بأسره يمشي وحيدا
5–
وحيد بوقعقيص يُعاني منذ فترة طويلة من مرضٍ عضال، ويعيش هذا الحاضر في غيابٍ عنا، فـ"عليه السلام يوم ولد ويوم يموت ويوم يولد حيا".
- See more at: http://www.alwasat.ly/ar/news/kottab/93204/#sthash.J67hPNcJ.dpuf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قيل عن بــرقة "سُمع عمرو بن العاص يقول على المنبر في أهل برقة: هم أصحاب عهد إن عاهدوا".

صب المر كان المر طاب .. مفيش امر من فرق الأحباب

هذا زجاج من صحراء ليبيا غالي الثمن ومستكشف حديثا وله سمعة في سوق المعادن الثمينة