هل هي حكومة وفاق أَمْ انشقاق ؟ ....الحاج الطيب الشريف خيرالله





إن كلمة الوطنية ؛ كلمة مقدسة وكبيرة ، يمثلها ويحملها ويعبر عنها ؛ عظام الرجال في تاريخ كل وطن وأمة ! ويعرف قيمتها وثمن الدفاع عنها ؛ قلائل من الرجال ، يعرفون ويؤمنون بحقوق أوطانهم ، والواجبات المترتبة عليهم لأداء هذه الحقوق التي تحافظ على كرامة هذا الوطن ، وقيمه ومستقبل أجياله .

سؤال الوطنية 

إن من يريد الاعتمار بعباءة الوطنية ، لا بد له أن يضع الوطن في قلبه ويديه وعينيه ، قبل لسانه ، وأن تكون كرامة أهله ومصالحهم في كل شبر فيه ؛ هاجسه وهدفه وبرنامج عمله ! وبداية طريقه ونهايتها . 
فهل ما يدور الآن في ليبيا يحمل هذه المفردات ، ويعبر عنها ؟. 
وهل المتواجدون علي المسرح السياسي في ليبيا الآن ــ وقد وصلوا إليه بوسائل يعرفها الليبيون ــ مؤهلون لحمل هذه الأمانة ، وجديرون بحمل هذه الصفة ؟ . 
وهل حكومة الوفاق (الوطني ! ) تمثل بالفعل الوطنية الليبية ، وتعبرعن مكونات ليبيا الحقيقية ؟. . وهل ثورة 17 فبراير ، التي يرفعون شعاراتها ، موجودة الآن علي أرض الواقع ؟. . وهل من يدعون الثورية الآن ، ليكون لهم دوراً مميزاً دون غيرهم ، للهيمنة على الوطن ومقدراته ــ وهم بالآلاف ــ هم بالفعل من قام بهذه الثورة وفجرها ؟. 
هل الإخوان المسلمون ، أو الإسلام المقاتل ، أو فجر ليبيا ، أو داعش ، هم من قام بهذه الانتفاضة ، وأسقط النظام السابق ؟. وهل تشكيل مجلس رئاسي يمثل في الحقيقة ؛ برقة ، وطرابلس ، وفزان ، بالتساوي ؛ وقراراته يجب أن تكون بالإجماع ، ويملك كل عضو فيه حق النقض ( الفيتو) لمنع أي قرار أو إجراء غير مجمع عليه ؛ يدل علي وجود ثقة بين أطراف هذا الوفاق ؟! .. أليس الاعتراف بهذا التشكيل ــ وهو مطبق علي كل المؤسسات الي ظهرت منذ إسقاط النظام ، سواء في المؤتمر ، أو في المجلس الانتقالي قبله ، أو في مجلس النواب بعده ، وفي جميع الحكومات في المرحلة الانتقالية كلها، ولجنة الستين فوق هذا كله ، أليس هذا اعترافاً صريحاً بولايات ليبيا المؤسسة لهذا الوطن ؟ّ .. أليس هذا اعترافاً واقعياً ، وملموساً ، ومعلناً ؛ بالنظام الفيدرالي ؟؟!.

سؤال الحرب 



 أليست الحرب القائمة الآن ، في طرابلس ، وفزان ، ونقلها البعض إلي برقة دعماً وتمويلاً ، وتسليحاً ، هي في حقيقتها ، حرب وقتال على السلطة ؟؟.
 ..... هذه الأسئلة يطرحها كل ليبي علي نفسه قبل غيره .. والأجوبة عنها يجب أن تكون من الليبيين أنفسهم ؛ لأن هذه الإجابة ، بشجاعة ، ووطنية ، تنهي مشاكل هذا الوطن ! إذا كان مازال فيه وطنيون ! . ولكن عناوين المعارك القائمة ، ليست حول صيانة أمن الوطن واستقراره ، وجمع كلمته ، وتوحيد صفوفه ، والمحافظة علي وحدته ؛ ولكنها معارك حول مصالح شخصية ، وتصفية حسابات ؛ قديمة وحديثة ، وأيديولوجيات دينية وحزبية ، تدعمها وتستثمرها ، قوى إقليمية ، ودولية ، لم تكن تطمع في يوم من الأيام ، أن تجد ليبيا سهلة المنال ، أو سلعة للبيع والشراء أو من بين أبنائها من يفرط في حقوقها وكرامتها؟!. ..... إنني شخصياً ؛ كنت راضياً ، بقبول حد أدني من الوطنية ؛ لإنقاذ الأهل والوطن ، مما وصلنا إليه ! ولكن الأماني والأحلام ، لا تبني المستقبل ، وتغير الواقع ! ، وأصبحت تتنازعني عاطفة جارفة لحب الوطن ، تدفعني للقبول بمرافقة أي شخص أري فيه أملاً لبناء ليبيا ، بصورة صحيحة وصادقة، وعلي أسس ثابتة ، قابلة للبقاء والاستمرار ؛ وعقل يشكك في هذا الواقع ، وغير مطمئن إليه ! ويذكرني بأن العاطفة ضعف إنساني يميل بك إلي القبول بما ليس حق أو عدل ، ويخوفك من المجابهة ، والتصدي للظلم والإجحاف..

العقل أولاً  

لقد وجدت نفسي مرغماً على اتباع العقل ، لا العاطفة ، لأنه العضو الذي خاطبه الله جل علاه في كتابه الكريم في الإنسان ! وجعل الخير والصلاح والحديث موجهاً لذوي الألباب .. ووجدت العقل يقــول :
1 ــ إن حكومة الوفاق الوطني ؛ لا ينطبق عليها هذا الاسم ! ؛ لأن هذا الوفاق قد تم بين الأطراف المتصارعة علي السلطة والهيمنة علي إدارة وقرار هذا الوطن ! لفرض كل طرف لشروطه وتصوراته ، وعقيدته علي الليبيين .. وكان أهل ليبيا ومؤسسوها ومكوناتها الأساسية خارج هذا المشهد ، ومشاكل الوطن الحقيقية لم تكن بنداً في هذه الحوارات!.
 2 ــ من الملفت للنظر أن المجلس الرئاسي ؛ كان يمثل ويعبر عن مكونات ليبيا الأساسية ، رغم مضاعفة المشاركة ؛ لإرضاء أطراف أصبحت تريد دوراً تم خلقه بعد ثورة فبراير ! لم يكن موجوداً كجسم مؤسس في تاريخ هذا الوطن.
 3 ــ إن إعطاء حق النقض لكل عضو في هذا المجلس ؛ دليل قاطع علي انعدام الثقة بين هذه الأطراف ! وأن مشاركة لدودة ، يتوقع أطرافها والغدر والخيانة كل لصاحبه ، وبالتالي فإن هذه المسيرة لا تصل أبدا إلي نهاية الطريق !.
 4 ــ الحكومة القادمة ؛ التي يفترض أنها ستمثل السلطة التنفيذية ؛ باعتبار أن مجلس الرئاسة سيكون في موقع رئيس الدولة ؛ هذه الحكومة ستكون حتما تابعة شكلاً وموضوعاً لأطراف الوفاق المزعوم ! ولن تكون قادرة على اتخاذ القرارات المطلوبة في هذه المرحلة ، والتي ينتظرها الليبيون ، ولكنها ستصبح رهينة لأطراف حوار الصخيرات ، الذين يمثل كل منهم اتجاها وفكرا مغايرا يتمسك بتطبيقه ومعارضة ما عداه.


 5 ــ بداية هذه المؤشرات ، بدأت قبل أن يتم اعتماد هذه النتائج ، عندما اختلف المجلس الرئاسي ـ قبل أن يبدأ ـ حول مستقبل الجيش الوطني ؛ الذي كان عدم المساس به ، شرطا أساسيا لإقليم برقة ، لتكون جزءا من هذه المحاولة ، لإنقاذ الوطن .
 6 ــ ثاني هذه المؤشرات ؛ قرار رئيس المجلس الرئاسي القاضي بتشكيل لجنة أمنية علي المستوي الوطني ، أتضح أنه كان قرارا أحادياً لم يشارك المجلس في اتخاذه ؟! واتضح أن هذه اللجنة ؛ كانت مكونة من 18 عضوا 99% منهم من إقليم واحد ! ولهم آراء ومواقف معلنة حول كثير من الملفات الشائكة ، مما يجعلهم آخر من يشاركون في حلها ، أو يقمحون في هذه المرحلة كوجوه مقبولة للتعامل معها!.
 7 ــ إن هذا القرار ، أفقد الأمل في وجود نية مخلصة وصادقة ؛ في لعب دور وطني صحيح ، وأرجع الجميع إلي المربع الأول ، ورفع هذا الشك إلي اليقين ؛ مسارعة المندوب الأممي إلي دعم هذا القرار، الذي تم اتخاذه بطريقة يعرف هو تمام المعرفة ؛ أنها تخالف أسس المبادئ التي اعتمدت في اتفاق الصخيرات ، وتلغي حق الاعتراض وضرورة إجماع المجلس علي كل إجراء يصدر عن المجلس الرئاسي ! .
 8 ــ المؤتمر الوطني ، ومجلس النواب ، وطوابير أخرى موجهة ، أصبحت تطوف شوارع القاهرة ، وتونس ، لا لدعم الحكومة وتأييدها والوقوف بجانبها ، لحل مشاكل الوطن ، وإخراجه من الخطرالذي بات يواجهه ، بل لبيع هذا الدعم بحقائب وزارية لهم ، أو لأقاربهم وأصدقائهم ؛ ... إن هذه الحقائق ، التي يعرفها ويتابعها كل الليبيين ، خلقت جوا من التشاؤم ، وانطباع عام ؛ بأن الفشل سيكون مصير هذه الحكومة ، ومجلسها الرئاسي، وسيلتحقون بالمجلس الانتقالي ، والمؤتمر الوطني ، وبمجلس النواب ؛ ولجنة الستين ، ليسجل التاريخ عنهم جميعا ؛ بانهم أضاعوا ليبيا ، ومستقبل أبنائها ، لعجزهم عن مواجهة التحديات التي جاءت أكثرها ؛ نتيجة الجري وراء مصالح شخصية، وولاءات حزبية ، دينية ودنيوية ، وفتح أبواب الوطن ليكون مرتعا للتطرف والإرهاب، ومطامع القريب والبعيد ، لتدمير بلادنا وجعلها رهينة لغيرها ؟! .....


 إنني تعرفت بالسيد فايز السراج ، وأحترمه ، وأقدر فيه صفات كثيرة طيبة ، وأعرف أن والده كان وزيرا للاقتصاد في حكومة السيد بن حليم حتي سنة 1957 م ، وهو بالتالي ، من أسرة مارست السياسة ، ويملك خلفية موروثة لمعرفة ولو الحد الأدنى من أدبيات هذا العمل وإنني لا أحسده هذا الموقع ؛ بل أشفق عليه وأتمني له من كل قلبي النجاح ، ليكون إسماً ساعد في لحظة تاريخية حاسمة علي إنقاذ وطنه ، وأهله وأمته .
 إن هذه المهمة ، في هذه المرحلة ، تتطلب عزيمة وقوة ، وقدرة علي فقد الأصدقاء ، ومواجهة الأقرباء ، وردع السفهاء ، وجعل المعيار لكل شريك ، ورفيق ، وقريب ، وصديق ؛ هو الولاء وحب هذا الوطن ، والنزاهة والتجرد والشفافية ، والتعامل مع كل قضايا الوطن ؛ لجمع كلمته ، وتوحيد صفوفه ، والابتعاد عن أصحاب المصالح الخاصة ، وأهل الولاءات لغير الله وهذا التراب الذي ارتوي بدماء الشهداء قديما وحديثا . 
وهذا يتطلب أن تكون الحكومة التي يمكنها أن تنال دعم وتأييد أصحاب القرار الحقيقيين من الليبيين ؛ حكومة وحدة وطنية بالمعني الحرفي لهذه الكلمة ! لا ينتمي أعضاؤها لأية تنظيمات دينية أو حزبية ، أو ميليشيات مسلحة ، أعطتها البندقية دورا لا تملكه ! ويمثلون بالفعل القطاعات الليبية الحقيقية ، ويتمتعون بالاحترام والثقة وينظرون إلي قضايا الوطن وأهله بعين واحدة ، وقد يكون إبعاد كل من شارك في المرحلة الانتقالية ، جزءا من هذا التصور ، حتي تبني مؤسسات الدولة ، وتستقر الأمور ، وتعاد الثقة المفقودة بين كل مكونات هذا الوطن ؟. ..... لقاء الوسيطة 
في لقاء لأهل برقة بمنطقة الوسيطة ، بمدينة البيضاء ، يوم 26 ديسمبر 2015م ، أعلنا عدم اعتراضنا علي ما تم الاتفاق عليه في الصخيرات بالمغرب الشقيق ، ووجهنا دعوة للسيد رئيس المجلس الرئاسي ؛ للقاء وفد من برقة ؛ لإجلاء الغموض عن بعض النقاط ، حتي يصبح موقفنا وتأييدنا للحكومة القادمة كاملاً وثابتاً ، وغير قابل للنقض أو الانتقاص !. وقفل الأبواب في وجه كل السماسرة ، وتجارالأزمات ، وأغنياء الحروب ! لأننا كنا نري أن الفرصة كالسحاب ؛ إذا لم تغتنمها مرت ! ، وقد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من وطن أصبح فريسة لكل الطامعين ، ومرتعاً للفساد ، وتضييعاً لكل مقدراته !. وهذا ما جعلنا نركن للقبول بما لا نراه كاملاً ، ولكنه أحسن ما هو متوفر ومستطاع ! .. وكنا نأمل أن بعض هذه التحفظات والكثير من العيوب ، يمكن أن تتلاشي، وتزول ، تعالج ؛ بفضل وعي وحكمة ووطنية ، من سيتصدرون هذا المشهد، وإعطاء الناس بصيصاً من الأمل ؛ بأن مازال في ليبيا من أبنائها من يضعون الوطن فوق كل اعتبار ، ولهم القدرة والتصميم علي فعل ذلك وتحقيقه ولذلك؛ فإن دور المجلس الرئاسي ، والحكومة المنبثقة عنه ، التي يجب أن تكون ممثلة حقيقية للوحدة الوطنية ، ويكون ولاؤها لله والوطن ولهذا الشعب كافة ، ولا يد لأحد عليها ، ولا طريق توصل لاستغلالها ، أو الهيمنة عليها ، أقول إن هذا الدور سيكون مرتبطا بهذه النتائج ومراعاة هذا الواقع ، وكسب ثقة الشعب الليبي ؛ بأنه ما زال في وطنهم رجال من أمهات ليبيات كريمات ، قادرون علي إعادة الحياة إلي وطن أوجعته الجراح ، وأثقلته المصائب ، وأصبح سلعة رخيصة لكل الطامعين والسفهاء ؛ وبنائه وطرد الشر والأشرار عنه ، وإعادة شمسه لتبزغ مشعة بالخير والأمل لكل أطرافه ومكوناته . 

الطيب الشريف خيرالله

منقول عن 218
http://218tv.net/content/%D9%87%D9%84-%D9%87%D9%8A-%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9-%D9%88%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%A3%D9%8E%D9%85%D9%92-%D8%A7%D9%86%D8%B4%D9%82%D8%A7%D9%82-%D8%9F

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قيل عن بــرقة "سُمع عمرو بن العاص يقول على المنبر في أهل برقة: هم أصحاب عهد إن عاهدوا".

صب المر كان المر طاب .. مفيش امر من فرق الأحباب

هذا زجاج من صحراء ليبيا غالي الثمن ومستكشف حديثا وله سمعة في سوق المعادن الثمينة