أروع ماكتبته الكاتبة أحلام مستغانمي عن ليبيا
ما التقيتُ ليبيًّا إلا و شعرتُ أنّ له قرابة بي. ما زلت أحتفظ بجواز السفر اللّيبي، الذي منحته السلطات الليبيّة لأبي في الخمسينات، عندما غادر الجزائر منفيًّا بعد اعتقاله من قبل الفرنسيّين ، لحاجته كما رفاقه آنذاك إلى وثيقة سفر لتمثيل الثورة الجزائريّة في المحافل الدوليّة.
تربّيتُ على حبّ ليبيا، و امتنان أبي لكرمها في مساندة ثوّرتنا ، أمّا كرم شعبها فقد خبرته في السبعينات، حين تعرّفت أمي على سيدة ليبيّة تزور الجزائر لأول مرّة برفقة زوجها، وأصرّ أبي على إقامتهما في بيتنا ، فخلعت السيّدة من يدها خاتما ثميناً و قدّمته لأمّي، و ما تركتنا إلّا بعد أن أهدتنا نصف ما في حقيبتها، و واصل زوجها الذي أذكر أنّ اسمه محمود المغربي إرسال الهدايا لنا من ليبيا على مدى سنوات .
يروي الكثير ، بمن فيهم أهل الخليج، أنّهم كانوا في الستينات يقصدون ليبيا للعلاج، لما كان لمستشفياتها من سمعة حسنة، بينما كان همّ الليبييّن على مدى عقود البحث عن وجهة يتعالجون فيها ، لكن داءهم كان أكبر من أن يسعفه الطبّ .ـ
ليبيا الحبيبة، التي مرضاها و جرحاها يفترشون الأرض، و يُخطفون في سيارات اسعاف يقودها المرتزقة. و زهدنا في مباهج حياتنا، لفرط ما رافقنا أبناءها إلى مقابر فاضت بجثامينهم .
ليبيا الأبيّة ما كانت يوما قصيّة، ما من رصاصة عبرتها إلاّ وتلقّتها صدورنا وما قُصف بيت فيها إلاّ وكناّ من ساكنيه . ها قد أصبحنا نعرف أسماء قبائلها، و مواقع مدنها، بعدما سال دمها على شاشات تلفازنا، و كنّا قبلها نخاله دماً مجراه دورتنا الدمويّة ونظنّها بلداً لا يوجد إلّا على خريطة القلب
تعليقات
إرسال تعليق